أعلنت القاهرة قبولها توصيات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شأن قانون التظاهر، وتعهدت تلبيتها خلال الفترة المقبلة، ما يفتح الباب أمام تعديل القانون المثير للجدل الذي سُجن بموجبه عدد من ناشطي المعارضة البارزين. واعتمد المجلس في جلسة عقدها أمس في جنيف، تقريرَ المراجعة الدورية الشاملة الخاص بمصر، بموافقة كل دوله (47 دولة). وشهدت الجلسة ترحيباً من دول عدة بتجاوب القاهرة مع آلية المراجعة الدورية الشاملة والتوصيات التي قدمتها الدول خلال مراجعة ملف مصر في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وتعهدت مصر في ردها على تلك التوصيات أمس، تلبية 243 توصية من إجمالي 300 توصية قُدمت إليها، فقبلت 220 توصية في شكل كامل و23 في شكل جزئي، ورفضت بقية التوصيات. وأطلعت «الحياة» على التوصيات المقدمة من دول المجلس، ومن ضمن ما قبلته مصر «تعديل القانون الرقم 107 للعام 2013 الخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية»، وهي توصية مقدمة من سلوفاكيا، و «مراجعة جميع القوانين المتعلقة بالتجمعات العامة، بما فيها القانون الرقم 10 للعام 1914 في شأن التجمهر والقانون الرقم 107 للعام 2013، ومواءمة القوانين مع التزامات مصر الدولية تجاه حقوق الإنسان»، وهي توصية مقدمة من كندا، و «إلغاء قانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية اللذين يحدان من حرية التجمع وتكوين الجمعيات وحرية التعبير، أو تعديلهما، لضمان تماشيهما مع التزامات مصر الدولية»، وهي توصية مقدمة من أميركا قبلتها مصر جزئياً، إذ رفضت اعتبارهما يحدان من حرية التعيير. ومن ضمن تلك التوصيات أيضاً «حماية حرية التجمع، من طريق الإلغاء الفوري لقانون التظاهر أو تعديله ليتوافق مع المادة 73 من الدستور المصري والعهد الدولي»، وهي توصية مقدمة من أستراليا، و «مراجعة قانون التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية بما يمتثل للدستور والقانون الدولي، والإخلاء الفوري للأشخاص المحتجزين أو المسجونين بسبب ممارستهم حرية التعبير من خلال المشاركة في الاحتجاجات السلمية»، وهى توصية مقدمة من السويد، قبلتها مصر جزئياً، إذ رفضت إطلاق المسجونين «لما يمثله ذلك من تدخل في عمل القضاء». ومن ضمن تلك التوصيات أيضاً «التحقيق في جميع حالات استخدام قوات الأمن القوة المفرطة ضد المتظاهرين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الحوادث»، وهى توصية مقدمة من ليتوانيا، و «ضمان إجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ونزيهة في أعمال القتل التي تمت في ميدان رابعة العدوية»، في إشارة إلى فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي في 14 آب (أغسطس) 2013، وهي توصية مقدمة من آيسلندا، علقت عليها مصر بأنه «تم بالفعل تشكيل لجنة تقصي حقائق مستقلة للتحقيق في تلك الأحداث، أصدرت تقريراً في هذا الشأن ضمنته مصر في ردها». ومن ضمن التوصيات التي قبلتها القاهرة جزئياً: «إزالة القيود القانونية المفروضة على الحقوق الدستورية في التجمع السلمي وحرية التعبير، إخلاء سبيل جميع المسجونين بسبب ممارسة حقوقهم الدستورية، بمن فيهم ممثلو وسائل الإعلام»، وهى توصية مقدمة من أستونيا، علقت عليها القاهرة بأن «السلطة التنفيذية لا تتدخل في أعمال القضاء». وقبلت مصر توصية لوكسمبورغ ب «العمل بفعالية لضمان ممارسة حرية التعبير والتجمع السلمي وضمان التزام القانون المنظم للتظاهرات في مصر بالتزامات مصر تجاه العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية»، كما قبلت توصية فرنسا ب «احترام حرية الرأي والتعبير، لاسيما للصحافيين، وحرية التظاهر السلمي من دون اللجوء إلى الاستخدام المفرط للقوة». وقبلت توصية ألمانيا ب «تنقيح قانون العقوبات من أجل ضمان حقوق حرية التعبير وحماية الصحافيين من العنف والمضايقة»، ورفضت القاهرة توصية النمسا ب «إخلاء سبيل جميع الصحافيين والعاملين في مجال حقوق الإنسان الذين قبض عليهم أثناء أداء واجبهم وإسقاط التهم الموجهة إليهم»، على اعتبار أن «القضاء هو المعني وحده بتحديد مصير أي متهمين». وقال ل «الحياة» مدير «مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان» بهي الدين حسن: «حتى لو عُدّل قانون التظاهر، فلا أعتقد أنه سيلبي مطالب المجتمع الدولي والمنظمات المحلية»، مضيفاً أن «الحكومة مستعدة للوعود، لكن لا إرادة سياسية لتنفيذ أي وعد. سبق أن قبلت توصيات كثيرة جداً إبان حكم حسني مبارك ولم تلب منها شيئاً، واليوم قبلت توصيات كثيرة جداً، وبعد 4 سنوات سيتكرر المشهد نفسه... في الواقع ما حدث شكل من أشكال الديبلوماسية. عدم الالتزام بتلك التوصيات وارد، والأسوأ هو أن يكون هناك تعديل أسوأ وأكثر تقييداً». ورأى أن «المشكلة الأعمق هي أن الحكومة المصرية قبلت في جنيف ما رفضته في القاهرة. تلك التوصيات في الحقيقة هي المطالب نفسها التي تقدمت بها المنظمات الحقوقية المحلية على مدار السنوات السابقة، والتي لم تتعاط معها الحكومة». وقال رئيس وفد مصر في الأممالمتحدة ومنظمة التجارة العالمية والمكاتب الدولية في جنيف عمرو رمضان، في كلمته أمام جلسة اعتماد تقرير المراجعة الدورية الشاملة لمصر في مجلس حقوق الإنسان في جنيف أمس، إن تأييد مصر أو قبولها التوصيات، سواء كان تأييداً مطلقاً أو جزئياً، «يأتي في ضوء الالتزام والاتساق مع أحكام الدستور المصري الجديد والتزامات مصر الدولية في مجال حقوق الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار أننا تلقينا بعض التوصيات التي سبق تنفيذها بالفعل أو يجري تنفيذها»، لافتاً إلى أن «التأييد الجزئي لبعض التوصيات يقصد به الموافقة على جزء من التوصية أو الموافقة على الغاية منها، في حين تختلف مصر مع الإطار أو الوسيلة المقترحة لتنفيذها في إطار التوصية أو المدى الزمني المقترح لهذا التنفيذ». وأضاف أن «عدم تأييد بعض التوصيات تم في أضيق الحدود الممكنة، وقد يكون بسبب تعارض هذه التوصيات مع نصوص الدستور، ومن بينها على سبيل المثال ما يقره حول كون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، أو حين تتعارض توصية مع حقوق معترف بها للدول في إطار القانون الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان»، لافتاً إلى أن بين تلك التوصيات المَطالب بإلغاء عقوبة الإعدام أو تعليق العمل بها. وأوضح أن «القانون المصري ينظم بوضوح إطار العمل بهذه العقوبة والضمانات الخاصة بتنفيذها». وأكد أن «الحكومة المصرية تتعامل بانفتاح كبير وبجدية كاملة مع التوصيات التي قدمت إليها وهو ما تجسد في موقفها النهائي من التوصيات التي قدمت في المجالات المختلفة لحقوق الإنسان». وأعرب رئيس «المجلس القومي لحقوق الإنسان»، شبه الرسمي، محمد فائق عن «تقديره للحكومة المصرية قبولها غالبية التوصيات التي وجهت إليها، وعلى نحو ما أوصى به المجلس القومي». وطالب في كلمة ألقاها أمام المجلس الأممي أمس، حكومة بلاده ب «اتخاذ خطوات محددة لتعزيز حقوق الإنسان، ومنها تعديل قانون التظاهر بما يتفق مع ما أبداه المجلس من تحفظات، وإصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يؤكد حق تكوين الجمعيات بمجرد الإخطار وإعادة النظر في مدة الحبس الاحتياطي، وإلغاء العقوبات السالبة للحريات في جرائم الرأي».