ثقلت جنبات مشعر منى يوم أمس، بتعالي وقع ملايين الأقدام على طرقاته في خطى قادت زهاء مليوني حاج صوب منشأة الجمرات لرمي شواخصها الثلاثة، قبيل إرخاء الليل سدوله، رغبة في كتابة الفصل الأخير من مهمة فريضة العمر. ولعلك ستذهل في حال قادتك أطرافك صوب مشعر الله الحرام، في يوم التعجل، فالمكان هناك يختلف عن سائر أيام العام، وحركة الحشود البشرية في سويعات نهاره الأخيرة، لا تشابه نظيرتها في مختلف أوقات موسم الحج، فالمشهد هناك يدعو للدهشة، والمظاهر المصاحبة لحال «العجلة» التي أحكمت سيطرتها على الجميع مثيرة. هنا شاب يحمل والدته المسنة ليسابق بها الريح في مشوار اللحاق برجم «إبليس» قبل حلول «الظلام»، وهناك آخر فشل في استيقاف سيارة تنقله ونسوة معه إلى جسر الجمرات، فركن إلى وسائل نقل بديلة، وبدأ بحشرهن داخل عدد من الكراسي المدولبة، انطلقت في قافلة قادته وإياهن إلى المنشأة وسط زحام شديد. وداخل طرقات مشعر منى المكتظة، تجذبك التموجات البشرية، وتأسرك الأزياء المزركشة، قبل أن تتداخل في مسامعك عبارات التكبير مع نداءات سائقي الحافلات والدراجات النارية والعربات الهادفة إلى استجداء المارة لنقلهم إلى وجهتهم مقابل حفنة من المال، تضاعفت كثيراً بسبب ضيق الوقت الذي يعاني منه كثير من الحجاج، الذين ضاقوا ذرعاً بتعالي ألسنة الدخان لتلوث «جو» المشعر «المزدحم». ويمكن الخلوص، أن التضحية بالمال، كانت وسيلة للخروج من مأزق الزحام، وعناء المشي، وسبيلاً ل «شراء راحة البال» في هذا اليوم. وفي مكةالمكرمة، اختلط حابل الأمور بنابلها بعد أن تراصت أكوام الحديد في البطون والشعاب الرابطة بين المشاعر المقدسة والمسجد الحرام ومنافذ الخروج من العاصمة المقدسة، وارتفعت أسعار وسائل النقل بشكل «خيالي»، وصلت معه كلفة نقل الحاج على الدراجة النارية إلى 200 ريال، بينما استقرت تكلفة التنقل باستخدام الحافلات إلى 100 ريال، في وقت لم تتجاوز فيه قيمة التنقل على كرسي مدولب ال 50 ريالاً فقط. وإن كانت شعيرة رمي الجمرات مرت بسلام وسلاسة على رغم تكدس الرماة داخل الدورين الأول والثاني من المنشأة ذات الطوابق الخمسة، فإن شعيرة طواف الوداع التي أداها ضيوف الرحمن خرجت بموسم الحج إلى بر الأمان من «عنق الزجاجة»، بعد أن كاد التكدس البشري الذي طاول حركة الطائفين في المسجد الحرام أن يتسبب في أزمة حقيقية، لولا تدخل الجهات الأمنية السعودية، التي وجهت بإغلاق بوابات المسجد الحرام، نظراً لاكتظاظ ساحاته وجنباته بجموع الحجيج الغفيرة. وبحسب مصدر مطلع كشف ل «الحياة» أن الخطة التي أعدتها الأجهزة الأمنية للتحكم في الجموع الغفيرة المتدفقة صوب صحن الطواف في يوم التعجل، «أسهمت بضراوة في الخروج بموسم حج استثنائي، أثبت قدرة الحكومة السعودية على إدارة الحشود وفق أحدث الإمكانات العلمية والعملية العالمية، وقضائها على أكثر من عامل كانت تمثل مصادر هلع تهدد نجاح موسم الحج».