حتى الحرب لا تعوق المرأة الجازانية عن ممارسة طقوس الأعياد، فغالبية الجازانيات يخصصن الأيام الثلاثة التي تسبق العيد لتجهيز الحلوى والزينة، لكن الأهم في هذه القائمة «حناء العيد» التي تعتبر من «سنن الأعياد» في المنطقة الجنوبية التي تشهد مواجهات مع المتسللين، فتحنّي المرأة الكف والقدم، فيما يكتفي الرجل ب «طلي» بطن القدم بتلك المادة البنية المحمرة ذات الرائحة المميزة. «كف تعجن الحناء والثانية على قلبي» هكذا تصف حليمة يحيى أثناء حديثها ل «الحياة» حالها وحال أمهات المحاربين على الجبهة، فابنها أحد منسوبي قطاع حرس الحدود. تمسّك حليمة بالعادات والتقاليد المتبعة في الأعياد، لم يخف قلقها من تواجد ابنها على خط النار. تقول: «أعرف أن يحيى رجل شجاع يقوم الآن بواجب وطني، ففي مثل هذه الظروف تختبر معادن الرجال». وتتحدث الحاجة حليمة بطريقة لا يجيدها أعتى الأدباء والفلاسفة على رغم عدم إكمالها تعليمها، عندما تضيف: «العيد هذا العام يحل ضيفاً برائحة الحرب، فليس لنا رغبة في استخدام الحناء، لكننا متمسكون بعادات لا يكتمل العيد إلا بها». وتستدرك: «ها أنا أعجن الحناء وشيء يهز أضلعي، فأنا زوجة محارب سابقاً، وأم محارب حالياً، وأشعر بالوطنية حتى النخاع، لكن قلبي خارج عن سيطرتي»، معللة ذلك بأن أصوات المدافع «تبعثر الهواجس داخلها»، فهي تعرف ابنها يحيى جيداً، «فهو لن يتوارى عن فداء الوطن بروحه». وتتابع: «عشت قلق الزوجة سابقاً أيام مشاركة «أبو يحيى» في حرب لبنان وسورية، وأعيش الآن قلق أم المحارب، فلن يهدأ بالي حتى يرجع يحيى ويأخذ حصته من حناء العيد، ولن يمنعنا المتمردون من عجن الحناء». من جهتها، تشير عائشة حكمي إلى أنه على رغم تقدم والدتها في السن، فإنها تحاول استطلاع أخبار الحرب وتطلب أن يشرحوا لها كل ما قيل وما كتب، فهي لا تعترف إلا باللهجة العامية المتبعة في جازان، وتعترض على أداء المراسلين وحديثهم بالفصحى، ولأنهم أيضاً لم يذكروا اسم ولدها المحارب». وتضيف: «عادت أمي من السوق حاملة الحناء الجاف وبعضاً من أخبار الحرب، وطلبت مني عجن حناء العيد وتبريد نصيب ابنها محمد حتى يعود من المعركة، فهي تحرص على طلاء أقدامه بالحناء كل عيد منذ كان طفلاً». في حين تحبس أم منصور عبراتها بناء على الوعد الذي قطعته لفلذة كبدها «منصور»، عندما ودعها وأخذ منها وعداً قاطعاً بأن تتماسك إذا لم يعد، تقول أم منصور: «كل المحاربين يمثلون لي منصور، وعلى رغم ارتباط جسدي بالكرسي لأني مقعدة، إلا أن روحي تحلق في أرض المعركة، وتحوم حول منصور، وأتمنى أن أرى منصور في العيد الذي أخذ طعم الحرب».