خطا الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري ما يمكن وصفه في باكستان بالخطوة الأولى في مسلسل التنازلات للحفاظ على حكمه، وسط معارضة متزايدة وتوتر في العلاقات بين المؤسسة العسكرية وقصر الرئاسة. فقد نقل زرداري أمس مسؤولية إدارة الأسلحة النووية إلى رئيس الوزراء في خطوة ترمي إلى تعزيز صلاحيات البرلمان، بحسب ما أعلنت الرئاسة الباكستانية. وقال فرحة الله بابار الناطق باسم الرئيس الباكستاني إن صلاحيات القيادة الوطنية المسؤولة عن الأسلحة النووية انتقلت من الرئاسة إلى رئيس الوزراء يوسف علي جيلاني، معلناً أن «التعديل يلحظ أن تبقى صلاحيات القيادة ووظائفها من اختصاصها على أن يمارسها رئيس الوزراء باسمها». ولم تشر تصريحات بابار إلى الأسلحة النووية، غير أن خبراء ومحللين أكدوا أن اختصاص الهيئة يشمل الترسانة النووية. وتندرج هذه الخطوة الرئاسية ضمن سلسلة من 28 إجراء أعلنها زرداري مرفقة بتعديلات، بعدما أبطلت المحكمة العليا قرارات اتخذها الرئيس السابق برويز مشرف في إطار إعلان حال الطوارئ. وفيما قال بابار إن «نقل رئاسة القيادة الوطنية إلى رئيس الحكومة يشكل خطوة مهمة نحو تعزيز صلاحيات البرلمان المنتخب ورئيس الحكومة»، اعتبر القانوني أكرم شيخ إن «الرئيس أراد عبر هذا القرار الشكلي إعطاء الانطباع انه يعزز صلاحيات رئيس الحكومة». والواضح بحسب محللين، أن زرداري تنازل عن حقه في التحكم بالسلاح النووي بصفته رئيس اللجنة المناطة بها هذه المسؤولية التي تضمه إلى رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية وقادة الأسلحة البرية والجوية والبحرية والأجهزة الأمنية، وذلك من دون تنازله عن رئاسة اللجنة. وقالت مصادر مقربة من المؤسسة العسكرية ل «الحياة» إن خطوة زرداري استبقت طلباً من القيادة العسكرية لجعل لجنة التحكم في الأسلحة الاستراتيجية برئاسة رئيس الوزراء في شكل رسمي من دون أن يكون للرئيس أي دور أو عضوية فيها، لكن قرار زرداري بمنح صلاحياته لرئيس الوزراء جاء لإبطال مساعي المؤسسة العسكرية التي تحاول تضييق الخناق عليه وإجباره على التنازل عن صلاحيات يخولها له تعديل دستوري أدخله الرئيس مشرف إبان سنوات حكمه. وأكدّ زرداري في مقابلة تلفزيونية محلية أجريت معه في مناسبة عيد الأضحى، أن التعديل السابع عشر الذي أدخله الرئيس السابق سيلغى من قبل البرلمان في منتصف كانون الأول (ديسمبر) المقبل. وهي خطوة تتماشى مع مطالب المعارضة التي وقعت اتفاقاً مع زرداري قبل توليه الحكم، لكنه ماطل في التخلي عن هذه الصلاحيات عبر تعديل دستوري. ويسعى زرداري من خلال إلغاء التعديل الدستوري، نزع ورقة احتجاج قوية يمسك بها رئيس الوزراء السابق نواز شريف، في مقابل احتفاظه بورقة قانونية سنها مشرف تحظّر على أي شخص في باكستان تولي رئاسة الوزراء أكثر من مرتين. وهي ورقة من شأنها منع شريف من الوصول إلى السلطة حتى في حال فوز حزبه في انتخابات برلمانية مقبلة، ما لم يلجأ إلى إلغاء هذا القانون عبر تعديل برلماني يحتاج إلى موافقة ثلثي الأعضاء. ويعاني زرداري من ظروف سيئة بعدما انتهت مهلة سنتين منحها قانون العفو والمصالحة الوطنية الذي سنه مشرف بالاتفاق مع بينظير بوتو زعيمة حزب الشعب السابقة. ونص القانون على إسقاط تهم القتل والفساد المالي والإداري وسوء استخدام السلطة عن أكثر من 8 آلاف من السياسيين والموظفين الحكوميين وسفراء ووزراء، في مقدمهم الرئيس الباكستاني. وحاول زرداري إقناع البرلمان بإقرار قانون المصالحة الوطنية، لكن معارضة شريف وأحزاب أخرى شنت حملة قوية ضد القانون حالت دون ذلك. وفي تموز (يوليو) الماضي، أمهلت المحكمة العليا الحكومة فترة 120 يوماً لإقرار القانون في البرلمان أو إسقاطه بما يجعل المحاكم الباكستانية تبدأ النظر في القضايا التي تمس من شملهم «قانون مشرف». وأكدت مصادر إعلامية باكستانية حصولها مع جهات إعلامية أجنبية على تسجيل لحوار بين زرداري وسفيره في واشنطن حسين حقاني يظهر من خلاله عزمهما على «تعاون مفتوح» مع الإدارة الأميركية لتحجيم المؤسسة العسكرية الباكستانية التي تتهمها واشنطن بعدم التعاون الكافي في «الحرب على الإرهاب»، بينما يخشى منها حزب الشعب بزعامة زرداري أن تؤلّب المعارضة وتسعى إلى إسقاط حكمه.