تناقلت وسائل إعلام أخيراً أخباراً نفطية مهمة عن الصين، تنطوي على أهمية للعلاقات الاقتصادية ومن ثم السياسية بين الصين والطرف الآخر المعني. فقد افتُتحت مصفاة مشتركة بين شركة «أرامكو السعودية» و«سينوبيك» الصينية و«إكسون - موبيل» الأميركية في مقاطعة فوجيان جنوب شرقي الصين. والمصفاة هي الأولى ل «أرامكو السعودية» في الصين، لكن ثمة مشاريع بترولية عربية مشتركة يُخطط لها مع شركات صينية. فهناك مفاوضات لتشييد مصفاة بين «شركة البترول الكويتية» و«سينوبيك» بطاقة 300 ألف برميل يومياً. وأخرى مع كل من «شركة قطر للبترول» و«شل» و«بتروجينا» لبناء مصفاة مشتركة في تشايهو بطاقة 440 ألف برميل يومياً. وتعمل الصين على تشييد مصاف جديدة لترتفع طاقتها التكريرية إلى نحو 11 مليون برميل يومياً عام 2015، مقارنة بالطاقة التكريرية الحالية البالغة 8.6 مليون برميل. ويتمثّل هدف القيادة الصينية في تحقيق اكتفاء ذاتي من المنتجات البترولية تلبية للزيادة المتوقعة على النفط بحلول منتصف العقد المقبل. ويُذكر ان الصين تستورد حالياً نحو 460 ألف برميل يومياً من منتجات البترول، بينما يبلغ مجمل استهلاكها نحو ثمانية ملايين برميل يومياً. تفاوض شركات عربية منذ العقد الماضي لإنشاء مشاريع بترولية مع الشركات الصينية. ودامت هذه المفاوضات وقتاً طويلاً جداً، زاد كثيراً عن المعتاد، والسبب في ذلك واضح. فهذه هي التجارب الأولى لمشاريع بترولية مشتركة عربية - صينية، في الصين خصوصاً. كما ان الشركات الصينية تستكشف النفط والغاز في كل الدول النفطية العربية من دون استثناء. ونجد انها الأكثر نشاطاً في مناقصات عقود التطوير العراقية بعد عام 2003. لا غرابة في هذه العلاقة الجديدة مع الدول النفطية العربية. فالصين سوق ضخمة واعدة، وهي ثاني دولة مستهلكة للطاقة في العالم، بعد الولاياتالمتحدة. لذلك تحاول شركات البترول العربية ان توجد في شكل فاعل فيها. كما تحاول الصين ان تطور في الوقت ذاته علاقات مع الدول النفطية للحصول على إمداداتها النفطية من طريق شركاتها مباشرة، وليس من طريق شركات أجنبية. ويشمل توسع الشركات البترولية الصينية مختلف الدول النفطية في العالم، وليست الدول العربية فقط، وتستعمل الشركات الصينية طرقاً ووسائل جديدة غير مألوفة في الصناعة البترولية. وتشمل إحدى هذه الوسائل المشاركة في الشركات النفطية الوطنية وتأمين قروض ضخمة للحكومات المعنية. ففي كازاخستان مثلاً، اشترت «شركة النفط الوطنية الصينية» 49 في المئة من شركة نفط محلية، كما أمّنت قرضاً بخمسة بلايين دولار لكازاخستان لقاء هذه الصفقة. واتبعت الشركات الصينية طرقاً مشابهة لشراء حصص في شركات بترول روسية وفنزويلية وبرازيلية.. الى ذلك، تلفت في شكل خاص، الإحصاءات الصادرة في بكين أخيراً حول زيادة شراء السيارات الخاصة في الصين هذه السنة، فقد ارتفعت مبيعاتها نحو 25 في المئة مقارنة بالعام الماضي، على رغم الأزمة الاقتصادية العالمية. وبلغ مجموع مبيعاتها هذه السنة نحو 7.2 مليون سيارة، ما يعني ان مجموع السيارات في الصين اليوم هو نحو 32 مليون سيارة. وتشير الإحصاءات الصينية كذلك إلى ازدياد الطلب على النفط في أيلول (سبتمبر) الماضي نحو 10.2 في المئة، مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي. ويُعتبر هذا الارتفاع قياسياً بالنسبة إلى معدلات ارتفاع الطلب في بقية دول العالم، حيث لا ترتفع النسبة عادة ما بين سنة وأخرى عن 1.5 - 2 في المئة في الأحوال الاعتيادية. ويُذكر ان ازدياد الطلب في الصين تزامن مع الأزمة الاقتصادية العالمية. تزود الدول العربية الصين نحو نصف وارداتها من النفط الخام، وتتقدم السعودية الدول المصدرة. وتأتي دول غرب أفريقيا في الدرجة الثانية، ، إذ تزود الصين بنحو 20 في المئة من وارداتها من النفط الخام، وتتصدرها أنغولا. تدل هذه المؤشرات كلها، على ان ثمة مجالاً واسعاً لتطوير العلاقات بين الدول العربية النفطية والصين، خصوصاً بالترافق مع النمو الاقتصادي الهائل في الصين وتباطؤ نمو الطلب على النفط في أوروبا وأميركا، فتشكل الصين سوقاً بديلة لأسواق النفط العربية مع انكماش الأسواق الغربية. والمهم ان يحصل توازن في العلاقات السياسية يجاري التوازن في العلاقات الاقتصادية، وهذا لم يحصل بعد. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة