يشبّه كثيرٌ من سكان المنطقة الشرقية القنصلية الأميركية في الظهران ب «القلعة»، لكثرة الإجراءات الأمنية التي تفرض على زائريها، ويشاهدها كل من يمر بطريق الخبر، فعلى رغم أنها لا تبعد عن الطريق سوى أقل من 500 متر، إلا أن حواجز ونقاط تفتيش متكررة تفصل بينهما. فيما تحجب أشجار النخيل المحلي و»واشنطونيا» و»الديدونيا» الرؤية عن المتطفلين، على ما يجري داخل بقعة الأرض التي تتبع بلاد العام سام على الأراضي السعودية. ولد غالبية سكان الشرقية وهم يرون «القلعة» الأميركية جاثمة في مكانها على الضلع الشرقي من تلة الظهران، وعلى بعد أمتار من كل من: شركة «أرامكو السعودية»، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ومطار الظهران الدولي، لتشكل جميعها «مربعاً ذهبياً» متداخلاً. أضيف له في الأعوام الأخيرة «وادي الظهران للتقنية»، الذي يستضيف أفرعاً لمراكز أبحاث كبريات الشركات العالمية. هذا المربع يقع في منطقة وسط بين مدن حاضرة الدمام: الظهران، والخبروالدمام العاصمة الإدارية للمنطقة. قبل السابعة من صباح أمس بدقائق، كانت سيارات يحمل بعضها لوحات ديبلوماسية تتدفق على القنصلية، بعد يومين من «الإجازة الإجبارية»، بعد إغلاق القنصلية ونظيرتها في جدة، والسفارة الأم في الرياض. تتوقف السيارات قبل الحواجز الأمنية السعودية قبل أن تواصل طريقها سريعاً، إلا أن حواجز أخرى تستوقفها، وهي هذه المرة تابعة لأمن القنصلية. اللافت أن الوقت المستغرق في هذه الحواجز يفوق ما يمضيه السائق أمام الحواجز السعودية، حتى الشدة في الإجراءات تعد هنا مضاعفة. ولا يشفع للسيارة كونها «ديبلوماسية»، وسائقها ومن على متنها عاملاً في القنصلية. وهنا لا يشفع لك شيء، فقط التزم الصمت، ودعهم يكملون إجراءاتهم الأمنية ليفسحوا لك الطريق. وأعلنت السفارة الأميركية في الرياض أمس، عبر موقعها على «تويتر» عن استمرار إيقاف الخدمات القنصلية في السفارة وقنصليتي جدةوالدمام لليوم (18 آذار «مارس»). وكشف عاملون في القنصلية ل «الحياة»، عن أن «إجراءات أمنية مشددة» تم إبلاغهم بها، حفاظاً على سلامتهم وعائلاتهم. وتتضمن الإجراءات «الالتزام بالقواعد التي وضعها المسؤولون الأمنيون للقنصلية، المتعلقة بالمواصلات التي تتكفل بها القنصلية، وعدم الخروج إلا بعد التأكد من سلامة الأوضاع كلياً». فيما تم التأكيد على موظفي الحراسة الأمنية باتباع جملة من التعليمات الهادفة «لحمايتهم وتوفير السبل كافة، لإبعادهم عن مصدر الخطر». وقال موظف في القنصلية ل «الحياة»: «إن الحيطة والحذر مسيطران على الوضع، وهذا أمر طبيعي في ظل التحذيرات الأمنية»، ويشاطره الرأي موظف آخر قائلاً: «تمت زيادة الحماية الأمنية على البوابات الخارجية والتفتيش». وبعيداً عن أسوار قلعة الأميركان، يسري حال الخوف بين 15 ألف أميركي يعيشون في الظهران وما حولها. وقالت ليمونيتا، وهي أميركية مقيمة في الظهران، وتعمل بإحدى الشركات: «لا تغيير جذري في برنامجنا اليومي، فما زلنا نعيش بدرجة عالية من الحيطة والحذر»، مضيفة: «عاد بعض الأميركيين إلى العمل، الذي تغيبوا عنه خلال اليوميين الماضيين، وحاولنا تقليص وجودنا في الأماكن العامة، وفضل الكثيرون الجلوس في المنازل وكان التواصل هاتفياً. وكذلك مع السفارة والقنصليات». وذكرت أن بعض صديقاتها وأزواجهن «فضلوا العمل إلكترونياً من المنزل، وإنهاء الأعمال الموكلة إليهم في شركاتهم، بسبب المخاوف التي انتابتنا». ليمونيتا ليست الوحيدة التي فضلت البقاء في المنزل، فهناك عشرات الأميركيات اللاتي يقطن بالظهرانوالخبر، أبلغن «الحياة»، عن فرض إجراءات أمنية جديدة في التفتيش عند مداخل المجمعات التي يسكنون بها. «وأصبح الزائر يعاني من صعوبات في الدخول بسبب كثرة ودقة التفتيش. والأمر بيد مشرفي المجمعات والشركات الأمنية التي توفر طواقم بشرية وإجراءات احترازية للمقيمين داخل تلك المجمعات». إلا أن وسيم كابي، وهو مشرف على مجمع سكني في مدينة الخبر، قال ل «الحياة»: «إن الأوضاع في المجمعات التي يقطنها غربيون خلال اليومين الماضيين، لم تكن مختلفة كثيراً عن بقية الأيام، إلا في التقليل من الزيارات للقادمين إلى المجمع كإجراء أمني احترازي. وهو عادة ما يطبق في المناسبات الدينية وليلة رأس السنة الميلادية».