«أعِد لي قلمي»... إحدى أكثر عبارات الرئيس فلاديمير بوتين شهرة وانتشاراً. قالها يوماً خلال اجتماع مع بعض «حيتان المال»، هدفه إنقاذ مجمّع صناعي كادت تقضي عليه صراعاتهم. يومها أرغم الرئيس «الحيتان» على توقيع اتفاق يحفظ المجمّع، وعندما لم يجد في أسفل الصفحة توقيع اوليغ ديريباسكا «امبراطور المعادن» وأغنى أغنياء روسيا، أعطاه قلمه «الرئاسي» وأمره: وقع هنا! لاحقه بوتين بالعبارة الشهيرة عندما لاحظ أن الرجل المرتبك نسي إعادة القلم. تحولت الحادثة مثلاً يُضرب في علاقة السلطة بحيتان المال، وفي قوة بوتين وسطوته على رجال المال. حتى ان مشاهدات الواقعة على «يوتيوب» حققت معدّلات ضخمة، وأُسِّست في روسيا خلال شهور بعدها نحو 57 ألف صفحة إلكترونية تحمل هذا الاسم. لكن قلماً «فريداً» آخر كان السبب في استرجاع تلك القصة في هذه الأيام. قلم ثمنه 36 مليون روبل أي نحو 600 ألف دولار وفق سعر الصرف الحالي، بلغ ثمنه بسعر الصرف قبل ستة أشهر 1.2 مليون دولار. قلم من الذهب الخالص المرصّع بالأحجار الكريمة، يملكه أحد «الحيتان» وهو محافظ إقليم ساخالين، ألكسندر خورشافين الذي عُزِل قبل أيام واقتيد مقيَّداً الى موسكو لمحاكمته بتهم فساد. كان الرجل يفاخر في جلساته بأنه يملك قلماً لا مثيل له عند اي مسؤول حكومي في روسيا، أو في العالم. تناولت الصحافة الروسية قصة القلم وكأنها تتشفى بالرجل الذي كان الأقوى في أقصى الشرق الروسي الغني بموارده الطبيعية، وكان إلى عهد غير بعيد في طليعة المقربين الى الكرملين. وكشفت جهات التحقيق أخيراً مصادرة مجوهرات ومقتنيات ثمينة قيمتها 140 مليون روبل، من شقة المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع يفغينيا فاسيليفا، المتهمة ببيع عقارات الوزارة وممتلكاتها من الأراضي في السوق السوداء، بالتعاون مع وزير الدفاع السابق اناتولي سيرديوكوف الذي نجا من المحاكمة، واكتفى الكرملين باقالته بعد الفضيحة. الروس الذين يضطرون في هذه الأيام العصيبة تحت وطأة العقوبات على بلادهم، لشد الأحزمة وربط البطون، يقرأون بحسرة أخبار أثرياء روسيا و «حيتانها». وفي وقت تنشر مؤسسة «في تي بي كابيتال» المالية دراسة تفيد بأن المواطنين باتوا ينفقون 55 في المئة من مداخيلهم على المواد الغذائية بسبب الأزمة وارتفاع الأسعار، تبدو الأرقام الخيالية عمّا يُنفقه أصحاب البلايين داخل روسيا وفي أوروبا، مثيرة للاستفزاز. ففي بريطانيا التي لجأ اليها العام الماضي 160 ثرياً روسياً، أشارت دراسات إلى ان عشرات منهم لجأوا إلى مكاتب عقارية لشراء شقق لا يقل ثمن الواحدة منها عن 30 مليون دولار. ويبدو الأثرياء الروس الأكثر سخاءً في الخارج عندما يتعلق الأمر بمقتضيات الرفاهية، وسجّلت مجلة «فوربس» أخيراً تراجعاً طفيفاً في عدد اصحاب البلايين الروس، وعددهم بالمئات. ومع كونهم الأكثر سخاءً فهم ايضاً كما تصفهم الصحافة «الشعبية» الأكثر ابتعاداً عن هموم الفقراء في بلادهم. يكفي ان أبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة لم يعودوا قادرين على المرور قرب متجر «تسوم» الشهير، الذي كان الى ماضٍ سوفياتي قريب ساحة التسوق الأساسية لكل الفئات. هذا المتجر أصدر قبل خمسة أيام نشرة ببعض معروضاته ذات «الأسعار المخفّضة»، وبينها حقيبة يد ثمنها 300 الف روبل، أي ما يعادل متوسط دخل المواطن الروسي «المرتاح» في سنة كاملة.