«غادرت الدول الصناعية الكبرى مجموعة الثمانية الكبار احتجاجاً على سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، لكنها سرعان ما ندمت، إذ لم يكن يجدر بها أن تترك بوتين من دون رقابة»! هكذا يتندر الروس على احوال السياسة الدولية بعدما غدت بلادهم في محور الأحداث ومحركاً اساسياً لها، ولم تعد تجلس كما فعلت لسنوات، على مقاعد المتفرجين، او فريق الاحتياط من اللاعبين، وفق مقولة قديمة جمعت بين الحسرة والسخرية. لكن النكات التي يطلقها الروس على رئيسهم غدت بنكهة جديدة، بعدما كان بوتين شغل الناس طويلاً كمثال للتندر على «رجال الاستخبارات السابقين» او «الرئيس الذي غادر قصره وهو يعلم انه لن يغيب عنه طويلا» ... حتى انه اهدى خليفته الموقت سيارة فاخرة ليستخدمها في غيابه، لكنه «نسي» ان يرفق مع الهدية مقود السيارة والمفاتيح. في هذه الأيام، تحول بوتين الى «بطل إيجابي» اعاد الهيبة والمكانة الى روسيا، وغدا التندر على الغرب القلق من تصرفات الرئيس الذي «عندما يتكلم تنصت اوروبا وعندما يصمت تخاف». وحتى تردّي الأحوال المعيشية وانهيار سعر صرف الروبل والغلاء الفاحش، كلها لم تعد تشكل مادة دسمة للسخرية من الرئيس ووعوده بحياة افضل، كما حدث في ازمات سابقة. وعلى سيرة الوضع الاقتصادي، فإن الخبراء لم يبدوا تشاؤماً بارتفاع سعر الدولار مقابل الروبل الى مستويات غير مسبوقة، والسبب ثقتهم في ان مطبخ الكرملين السياسي لن يسمح في كل الأحوال بأن يتجاوز الدولار نسب تأييد بوتين. كما ان الرئيس الروسي اجاب عن سؤال مواطن تذمر من ارتفاع الأسعار في روسيا، بالتذكير بأن سعر الروبل انخفض ما يعني ان الحديث عن ارتفاع اسعار «كل شيء» هو مجرد اشاعات. وحتى ضمّ القرم و»طموحات بوتين الأمبراطورية» في اوكرانيا، غدت مادة دسمة لإطلاق النكات التي تقول واحدة منها ان موظفاً في الكرملين قال لزميله: تصور ان 85 في المئة من الأميركيين لا يعرفون اين تقع حدود اوكرانيا، فأجاب الآخر ان هذا ليس سيئاً جداً، لأن بوتين نفسه لا يعرف ذلك. ومثل تلك ان الرئيس الروسي في اطار التزامه خطة السلام الأوروبية «سيعمل كل ما بوسعه لإجبار اوكرانيا على سحب حدودها من مناطق تجمع القوات الروسية»! اما عن سياسة الكرملين في الملفات الإقليمية، فيحدد خبير استراتيجي تعريف «العدوان» بأنه «هجوم اي بلد على بلد آخر من دون الحصول على موافقة بوتين ولافروف». وفي رواية ان الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريس مازح بوتين مشيراً الى انتمائه ل «اصول يهودية» باعتبار انه نجح في إجبار واشنطن على دفع 5 بلايين دولار لأوكرانيا بعد ضمّ القرم، في حين ان ساسة اسرائيل يجدون صعوبة في الحصول على اموال مماثلة عندما يفكرون في ضم اراض جديدة. اما العقوبات الغربية على روسيا فكان لها نصيب الأسد في تندّر الروس، ومنها ان المستشارة الألمانية انغلا ميركل اتصلت ببوتين وأبلغته ان الأوروبيين يضعون «لائحة سوداء» جديدة، فأجابها انه سيرسل مع لافروف قائمة جديدة بأسماء شخصيات روسية. وفي رواية اخرى، ان موظفي الكرملين ابلغوا الرئيس بأن عشرات البرلمانيين الروس منعوا من السفر الى اوروبا بسبب موضوع القرم، فطلب احضار خريطة العالم بعدما اطمأن الى انه مازال لديه في البرلمان عدد كاف لتحمل عقوبات جديدة. وبعيداً من النكات الأكثر انتشاراً وتداولاً لكنها معرضة لمقص الرقيب كونها تسخر من لون بشرة الرئيس الأميركي مثلاً، او من قوميات معينة، يمكن ملاحظة ان مزاج السخرية الغالب في روسيا بات يميل الى التركيز على تفوق بوتين، وإمساكه بأوراق ضغط تجعل العالم يستجيب طلباته، ومنها مثلاً ان السبب الحقيقي لمغادرة الرئيس الروسي قمة العشرين أخيراً في شكل مبكر أنه نسي «مفتاح الغاز» مغلقاً.