برّأت الصحافة البريطانية ت. س. اليوت من تهمة القسوة على زوجته الأولى، لكنها لم تبرر امتناعه التام عن زيارتها في المصح الذي بقيت فيه تسعة أعوام انتهت بوفاتها في 1974، العام الذي كوفئ فيه بجائزة نوبل الأدب. أوائل هذا الشهر صدر الجزء الثاني من رسائل الشاعر الأميركي – البريطاني، إضافة الى الجزء الأول الموسع عن دار فابر وفابر التي عمل فيها. اشتركت زوجته الثانية فاليري في مراجعة المجلدين مع هيو هوتون، وتركت الرسائل تحكي قصته مع فيفيان هاي- وود التي بقي مرضها غامضاً، وأدى تفاقمه بعد ثلاثة وعشرين عاماً الى اتفاق زوجها وشقيقيها موريس على ايداعها المصح. وكان الجزء الأول من الرسائل صدر في 1988 مغطياً المرحلة بين الفتوة وصدور «الأرض اليباب» ومجلته الفصلية «ذا كرايتيريون» في 1922، في حين اكتفى المجلد الثاني بالأعوام الثلاثة اللاحقة حتى استقالة اليوت من مصرف لويد. أحرق رسائله الأولى الى والديه، وأوصى أولاً بعدم نشر رسائله ثم جعل زوجته الشابة، التي كانت سكرتيرته، منفذة وصيته لاعتقاده ربما أنها ستمارس الرقابة على ما قد يسيء. لكن فيفيان اختارت الحياد، ونشرت كل بريده بما فيه البطاقات والبرقيات تاركة القارئ يحكم بنفسه مع الشاعر أو ضده. عمل اليوت في المصرف نهاراً واهتم بمجلته وزوجته المريضة ليلاً. لم يبق وقت للشعر فجهد صديقه ازرا باوند، الذي كان شجعه على البقاء في إنكلترا والزواج من فيفيان، لإنشاء اعتماد مالي ينقذه من المصرف ويكرسه للكتابة. غير أن هذا زوّد اليوت براتب منتظم وآخر للتقاعد، ومنح زوجته التي لم تملك دخلاً خاصاً تأميناً على حياتها. بدأ مرضها باضطراب الجهاز الهضمي، وحدّد غالباً بالتهاب الأمعاء والكولون، لكن علاجه القاسي بالجوع والغسل فاقمه، وبعد مقاربة نفسية كارثية من طبيب نفسي نمسوي سلكت ما رآه اليوت انهياراً تاماً دائماً. نشر لها قصصاً وأشعاراً بأحرف أولى مستعارة في «ذا كرايتيريون» لعل صحة الجسد تتبع الثقة بالنفس، لكن الزواج التعيس ظلل كتابة الاثنين. أنهت فيفيان قصيدة بتساؤل عصبي: «هل من الضروري/ هل من الضروري/ قل لي انه من الضروري/ أن نمر بذلك». ردّد كثر أنها حطمته رجلاً وصنعته كاتباً، وصوّرت أعماله الأولى خواء الشباب بعد الحرب العالمية الثانية وزيف أحلامه. تزوج في السادسة والعشرين وواجه فوراً مرض فيفيان الذي تآكل معه جسدها وروحها. في نيسان 1923 ذكر أنها وقفت ساعات على عتبة الموت في رسالة الى الروائي جون ميدلتون موري الذي عانى أيضاً من مرض زوجته الكاتبة كاثرين مانسفيلد واضطرارها الى العيش في الخارج لأسباب صحية. في نيسان (أبريل) 1924 كتب لشقيقه ان «مرض ف الأخير لا يوصف. عانت روحياً أكثر مما فعلت في السابق وعجزت عن تركها طوال ثلاثة أشهر». بعد عام كتب الى موري أن المرض اشتد الى درجة شعرت معها أياماً عدة أن عقلها غادر جسدها. جعلت نفسي آلة - لكي أصمد- لكي لا أشعر- لكن ذلك قتل ف (...) قتلت حواسي عمداً (...) مت عمداً في الأعوام العشر الأخيرة لكي أستطيع المضي في الشكل الخارجي للعيش. هذا ما فعلته في 1915- ماذا سيحدث إذا عشت ثانية؟ (...) هل لي الحق في ذلك؟ ان أقتل شخصاً آخر بكوني ميتاً أو أن أقتله بكوني حياً؟ (...) أينبغي أن أقتلها أو أقتل نفسي؟» في خريف ذلك العام اعتذرت «لتعذيبك ودفعك الى الجنون» ثم كتبت الى خادمتهما ايلين من مصح وضعها فيه بعض الوقت لكي يستطيع كتابة محاضرات: «اخبريه أن زوجته تحبه ولا تزال تحبه وانها أحبته دائماً دائماً». بقي اليوت مع فيفيان حتى 1933 ثم أودعها المصح بعد خمسة أعوام. ذكر أن زوجته الأولى ومرضها أثراً للغاية في شعره، وكتب في 1960 أن الزواج لم يمنحها أي سعادة وانه أتاه بالحال العقلية التي خرج منها «الأرض اليباب». بدأ الديوان بعبارة: «نيسان أقسى الشهور» وجاء فيه: «ذاك الذي كان حياً ميت الآن/ نحن الذين كنا أحياء نموت الآن/ بقليل من الصبر». قال في رسالة إن هناك ثلاثين سطراً جيداً فقط في «الأرض اليباب» واعترف للشاعر وليم بتلر ييتس أن ثمة أجزاء فيه تحتاج ربما الى التصليح. «دفعت الى الشعر لضعفي في الاتجاهات الأخرى» قال، وشبّه عمله الأدبي ب «نقاط دم تسيل من حجر منهك». رسم مايكل هيستنغز في 1984 زوجاً بارداً قاسياً في مسرحيته «توم وفيف» التي نقلت الى السينما، لكن مرض فيفيان أنهك الشاعر جسدياً ونفسياً، وربما عادت مقاطعته زوجته في المصح الى عجزه عن استعادة عافيته ما دام يراها. تكشف الرسائل أيضاً ميوله السياسية اليمينية الصريحة، وشكواه من سيطرة الليبراليين على الصحافة الأدبية وكثرة أصدقائه اليهود على رغم تبني شعره التعبير اللاسامي الذي كان سائداً ومقبولاً يومها. تكشف رسائله مساعدته يهوداً أوروبيين على الهرب الى أميركا في الحرب العالمية الثانية، وكتابته الودودة للروائي الثري سيدني شيف. مع ذلك يذكر «الناشرين اليهود» و «ذلك الشعب» و «الغريزة الهدامة»، ويقول في قصيدة: «الجرذان تحت الأكوام/ واليهودي تحت الجميع». دعا شارل مورا بفرنسية طليقة الى الكتابة في مجلته، وتأثر بفكره المعارض لوجود الأجانب، ولا سيما منهم اليهود، في فرنسا.