تحت وطأة الرقابة العسكرية الصارمة المفروضة على الإعلام الإسرائيلي في ما يتعلق بسير المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس» للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، حملت مقالات أبرز المعلقين الإسرائيليين في صحف نهاية الأسبوع تكهنات بما يمكن أن يحمله الأسبوع المقبل من تطورات في هذا الملف، وكادوا يجمعون على أن الصفقة على شفا الإنجاز ولم يتبق أمام أركان الدولة العبرية وقادة «حماس» سوى إقرارها، معتبرين تعليقها إلى ما بعد عيد الأضحى المبارك محاولة أخيرة من «حماس» لرفع الثمن. وأكدت التعليقات أن إسرائيل لا تستعجل التوقيع على الصفقة قبل أن تدرس في شكل معمق إسقاطاتها على أكثر من صعيد، وتحديداً على مستقبل السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبو مازن) إزاء توجهات من واشنطن بأن تقدم إسرائيل على «لفتات طيبة» تفيد عباس مثل الإفراج عن مئات الأسرى المحسوبين على حركة «فتح»، أو توسيع مناطق نفوذ السلطة في الضفة الغربية. وعنون الملحق السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» صفحته الأولى أمس بكلمة واحدة: «متاهة»، وكتب أن «إسرائيل تريد أن تعيد (الجندي الأسير في قطاع غزة غلعاد) شاليت إلى بيته من دون أن يكون الثمن المدفوع لحركة حماس مبالغاً به. تريد إنقاذ أبو مازن وتفادي إغضاب الأميركيين، فكيف الخروج من هذه المتاهة»؟ وكتبت المعلقة في الشؤون الحزبية في الصحيفة سيما كدمون أن نتانياهو يعرف أن لا مفر أمامه من الموافقة على صفقة التبادل لأن الجمهور الإسرائيلي يريد رؤية شاليت عائداً إلى بيته. وأضافت: «يدرك نتانياهو ماذا يمكن أن تفعل صفقة التبادل بأبو مازن... وما هي الرسالة التي تحملها للعالم العربي، كما أنه يعي جيداً أن المسألة هنا استراتيجية ومسألة مصالح قومية ذات مغزى... يدرك انه بعد الصفقة ستفتح الحدود مع القطاع، ويعي أن حماس ستعزز نفوذها فيما ستتلقى السلطة الفلسطينية بصقة في وجها». وتابعت أن الجمهور الإسرائيلي يؤيد الصفقة بأثمانها الباهظة مع أنه «لا يحب رؤية إفراج عن قتلة... ويمكن الافتراض أنه بعد شهر على عودة شاليت سيتحدثون هنا عن الثمن أكثر مما عن شاليت». لكنها أضافت أن الجمهور يؤيد هذه الصفقة بعد أن رأى أن دولته عجزت عن تحرير شاليت في عملية عسكرية. وتابعت أن هذا الجمهور كان يفضل رؤية محاولة تحرير شاليت «حتى إن كانت النهاية مأسوية» كما حصل في الماضي مع الجندي نحشون فاكسمان (الذي قتل أثناء محاولة الجيش الإسرائيلي تحريره من الأسر) لأنه عندها لن يدعي أحد أن الحكومة تخلت عن جندي أو أنها تصرفت وكأن لا قيمة لحياة أسير، لكن الجمهور يقول عملياً اليوم إن من لم ينجح في تحرير أسير موجود في غزة منذ 3 سنوات، ومن لم ينجح في عملية مثل الرصاص المسبوك في إعادته إلى بيته، يجب أن يدفع الثمن... إنه العقاب المناسب لدولة قصّرت في مهمتها». وزادت أن الجمهور لا يستوعب أيضاً كيف لم ينجح جهاز الاستخبارات الخارجية (موساد) «الذي يعرف كيف الوصول إلى كل نقطة في الشرق الأوسط في رصد مكان الجندي البعيد مسافة كيلومترات معدودة». وأردفت أن «الجمهور الإسرائيلي لا يسلّم أيضاً بأن الدولة لم تقم بما يجب أن تقوم به من أجل الجندي». وأنهت مقالها بالإشارة إلى أن غالبية الوزراء ستؤيد الصفقة، «وأحد الأسباب لذلك، وربما أهمها يتعلق بموقف نتانياهو: هذا الرجل الذي تحفل سيرته بأقوال قاطعة الوضوح ضد صفقات من هذا النوع يجد نفسه يتخذ قراراً عارض مثله طيلة حياته». من جهته، تناول المعلق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان «الأثمان الباهظة الأخرى التي قد تدفعها إسرائيل بعد إتمام الصفقة»، معتبراً أن ما ستدفعه ل «حماس» هو سلفة على الحساب لإنقاذ حكم «أبو مازن». ورأى المعلق أن الصفقة الجاري بلورتها ستمنح حماس «إستيروييد (منشطات) لا يمكن لأحد أن يتوقع قوته، ولهذا تتخبط المؤسسة الأمنية في كيفية إنقاذ أبو مازن من الضربة الهائلة التي ستنزلها به صفقة شاليت، شخصياً وجماهيرياً». وأضاف أن السلطة تخشى من القوة الهائلة التي ستمنحها الصفقة لحركة «حماس» في الشارع الفلسطيني وفي العالم العربي عموماً في حال تنفيذها، «إذ ستصبح هذه القوة تهديداً وجودياً على السلطة الفلسطينية». وتابع فيشمان أن إسرائيل تخشى حقاً أنه حيال شعور أبو مازن بالفشل السياسي «والمهانة الشخصية أمام نجاح حماس»، فإنه قد يقدم على الاستقالة من منصبه، وأنه قد يفعل ذلك في الاجتماع الوشيك للجنة المركزية لحركة «فتح» منتصف الشهر المقبل. وتابع أنه إزاء هذا القلق تبحث إسرائيل في «الهدايا» التي يمكن أن تقدمها لعباس وللسلطة الفلسطينية «مثل إطلاق مئات الأسرى ووقف تام للبناء في المستوطنات، ومواصلة إزالة حواجز عسكرية في أنحاء الضفة الغربية، ولفتات طيبة اقتصادية للفلسطينيين... باختصار خطوات يمكن أن تثير غضب اليمين الإسرائيلي... خطوات ليس أكيداً أن تنقذ السلطة من الانهيار». من جهته، كتب المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن صفقة التبادل وشيكة جداً، وأن «حماس» بحاجة إليها لتخفف من وطأة الضربات التي تلقتها في عملية الرصاص المسبوك قبل نحو عام. وأضاف أن نتانياهو معني بالصفقة، خصوصاً حيال التأييد الذي يلقاه من رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غابي أشكنازي، لكنه يدرس القضايا الأخرى المترتبة عن الصفقة بينها محاولة التوصل إلى «ترتيب استراتيجي» على الحدود مع القطاع. كما ينظر في الثمن المطلوب دفعه لمنع انهيار السلطة الفلسطينية. وأضاف ان بين السيناريوات المطروحة هو عدم إطلاق القيادي في «فتح» مروان البرغوثي في إطار الصفقة القريبة، إنما بعد شهور لفصلها عن الصفقة كي لا تستفيد «حماس» من ذلك. وختم أن «اللغز الأكبر» يتعلق بسلوك «حماس» بعد الصفقة: «هل ستحاول قيادة الحركة العودة إلى تحدي إسرائيل، أم تختار محاولة القيام بانقلاب مخملي وتستغل أجواء التأييد لها في الشارع الفلسطيني في أعقاب الصفقة لتفتح جبهة مع فتح وتسعى الى انتخابات جديدة للرئاسة وللمجلس التشريعي خلال العام المقبل على أمل أن يصبح انتصارها تاماً وتسيطر أيضاً على الضفة الغربية؟».