أطلقت شبه جزيرة القرم جنوبأوكرانيا أمس، احتفالات ضخمة تستمر حتى الأربعاء وتتضمن مهرجانات موسيقية وعروضاً بأسهم نارية، في الذكرى الأولى للاستفتاء المثير للجدل الذي مهد لانضمامها إلى روسيا، وندد به الغرب باعتباره «غير شرعي». في غضون ذلك، اتهم الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو خلال زيارته برلين، انفصاليي الشرق الموالين لروسيا بعدم احترام وقف النار وانتهاكهم إياه أكثر من 60 مرة يومياً، «ما يعني أن اتفاق مينسك معطل فعلياً». وطالب بوروشينكو المستشارة الألمانية أنغيلا مركل بأن تدفع في اتجاه تشديد العقوبات على روسيا بسبب انتهاكات وقف النار، علماً بأن قادة الاتحاد الأوروبي سيناقشون في بروكسيل الخميس والجمعة مسألة العقوبات المفروضة على موسكو. وقال رئيس الاتحاد الأوروبي دونالد تاسك: «يجب أن يرفض الاتحاد أي تسوية مع روسيا حول العقوبات، حتى استعادة أوكرانيا السيطرة على حدودها مع روسيا». وزاد: «التطبيق الجزئي للاتفاق سيشكل خطراً كبيراً على أوكرانيا، كما أن عدم إبقاء أوروبا على العقوبات سيُسيء إلى العلاقات عبر الأطلسي. وبالنسبة إلى الولاياتالمتحدة ليس مقبولاً ضلوعها في نزاع أوكرانيا أكثر من أوروبا». واعتبر تاسك أن الثقة في حسن نية الرئيس بوتين «سذاجة أو خبث». وقال وزير الخارجية النمسوي سيباستيان كورتس، إن «اتفاق مينسك أفضل فرصة لحل أزمة أوكرانيا سلمياً، ويجب ألا يعلن قادة أوروبا فشله». وفيما يرفرف العلم الروسي فوق أنحاء شبه جزيرة القرم، قال زعيمها سيرغي أكسيونوف في خطاب وجهه إلى المسؤولين في العاصمة الإقليمية سيمفروبول: «كان الخيار واضحاً: أوكرانيا الحرب والدماء، أو روسيا السلام والاستقرار»، علماً أن الاستفتاء الذي أجري بعد إرسال روسيا آلافاً من جنودها إلى شبه الجزيرة أيده نحو 97 في المئة من سكان القرم باستثناء أقلية التتار. وتابع أكسيونوف: «إننا ممتنون لرئيسنا فلاديمير بوتين الذي أثبت شجاعة وإرادة سياسية حازمة وحكمة رجال الدولة عبر دعمه نتائج الاستفتاء». وأشاد موفد بوتين إلى القرم، أوليغ بيلافينتسيف، بما سماه «استفتاء تاريخي في يوم دخل تاريخ روسيا»، التي يعتبر كثير من سكانها أن عودة القرم حقق العدالة التاريخية بعدما قدم الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشيف شبه الجزيرة الاستراتيجية إلى أوكرانيا عام 1954 في خطوة رمزية، كون البلدين كانا ضمن الاتحاد السوفياتي السابق. من هنا زاد قرار ضم القرم شعبية بوتين لدى الروس، ومشاعر القومية لديهم. وبدأ النهار في أنحاء القرم بدرس خاص يُعلّم في كل مدارس شبه الجزيرة حول «المصير المشترك بين روسيا والقرم». ثم شاهد سكان سيمفروبول عرضاً مسرحياً حول إعادة التوحيد في الساحة الرئيسية، وتلاه عروض موسيقية لفنانين روس. وعشية الذكرى، كشف بوتين في وثائقي بثته قناة «روسيا 1» العامة، كيف أصدر أمراً سرياً بضم القرم إثر إطاحة الرئيس الأوكراني المخلوع فيكتور يانوكوفيتش في شباط (فبراير) 2014 وفراره إلى روسيا، «من أجل إنقاذ الناطقين بالروسية من القوميين الأوكرانيين». وقال بوتين: «كنا مستعدين لاستنفار قدارتنا النووية تحسباً لأسوأ احتمال يمكن أن تصل إليه الأمور، وهو تدخل الغرب عسكرياً. ونشرنا بطاريات صواريخ دفاعية من طراز باستيون في القرم، وأسلحة تستطيع ردع بارجة أميركية كانت في البحر الأسود حينها». وتابع: «تحدثت مع زملائي (القادة الغربيين)، وأوضحت لهم أن القرم كانت جزءاً من أراضينا تاريخياً، ويُقيم فيها روس، لذا لا نستطيع التخلي عنهم، لأنهم في خطر، وبالتالي كان موقفنا واضحاً وصريحاً، ولا أعتقد أن أحداً أراد إثارة نزاع دولي». وشدد بوتين على أن روسيا لم تتطلع إلى ضم القرم قبل إطاحة الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش، مؤكداً أنه أراد تفادي «حمام دم» عبر تنظيم استفتاء الانفصال، وهو ما حصل في دونباس، الحوض المنجمي في شرق أوكرانيا، حيث خلّف النزاع المسلح الذي بدأ قبل 11 شهراً بين قوات كييف والانفصاليين حوالى 6 آلاف قتيل. وأشار إلى أن «عدد الجنود الروس الذين أرسلوا إلى القرم لم يتجاوز 20 ألفاً تسمح معاهدة مع أوكرانيا بنشرهم في القاعدة البحرية الروسية في سيباستوبول، الميناء الذي يستخدمه الأسطول الروسي في البحر الأسود». كما شدد على أن الهدف النهائي «لم يكن السيطرة على القرم أو ضمها، بل منح سكانها فرصة التعبير عن رأيهم بمستقبلهم». في المقابل، جدد الاتحاد الأوروبي إدانته الضم «غير الشرعي» للقرم. وقالت وزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغيريني: «بعد عام على إجراء استفتاء غير قانوني أدى إلى ضم روسيا القرم في شكل غير شرعي، يظل الاتحاد ملتزماً سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، كما يبدي مجدداً قلقة العميق من تزايد الانتشار المسلح في شبه الجزيرة، وتدهور وضع حقوق الإنسان فيها»، مشيرة إلى «قيود على حرية التعبير» و «اضطهاد أشخاص من الأقليات». وأضافت أنه «تحدٍّ مباشر للأمن الدولي تترتب عليه عواقب خطرة على النظام الدولي الذي يحمي سيادة كل الدول ووحدة أراضيها». وكان الحلف الأطلسي (ناتو) كشف عن نشر روسيا صواريخ أرض- جو متطورة في القرم، يغطي مدى بعضها كل البحر الأسود». ووصف قائد قوات الحلف في أوروبا فيليب بريدلوف الأسبوع الماضي، القرم بأنها «منصة للانتشار العسكري الروسي».