عاد عدد كبير من الراغبين في مشاهدة مسرحية «العرس» خالي الوفاض، بعد أن فشلت جهودهم لليوم الثاني على التوالي في الحصول على مقعد بمسرح فرع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون في الأحساء، «لعدم وجود مقاعد شاغرة»، ما اضطر بعضهم لمشاهدة المسرحية وقوفاً مدة ساعتين متواصلتين، وبلغ الزحام ذروته بعد أن قررت الجمعية أن تكون مدة عرض المسرحية ثلاثة أيام فقط. واجتذبت الأسماء البارزة من ممثلي الصف الأول في الأحساء، أمثال الفنان عبدالله التركي، وعلي الشهابي، وفيصل المحسن، وخالد الخليفة وغيرهم، الجمهور المتعطش للأعمال المسرحية الكوميدية، التي برعت الجمعية في تقديمها على مدار أعوام عملها الطويلة، حتى أصبحت واحدة من أبرز جمعيات المملكة في المجال المسرحي. وجاءت المسرحية شعبية في كل شيء، من خلال النص المسرحي الذي نقل حقبة قديمة لحي شعبي في الأحساء. وبرع مصمما الديكور إبراهيم المجني وإسماعيل الخميس، كثيراً في نقل تفاصيل الحي، من خلال المنازل القديمة، ومدخل الدروازة إلى جانب تشكيل مقاعد «الدكة» الشعبية الملتصقة بجدران المنازل، وامتداد الديكور ليحيط بالجمهور من خلال مصابيح الأعراس الشعبية. وتعمد الكاتب إبراهيم الخميس والمخرج خالد الخميس أن تكون الحبكة الدرامية بسيطة حتى في اللغة والأزياء، بعيداً عن المبالغة، لتلامس الجمهور المتصل بهذه التفاصيل، التي لا يزال معظمها موجوداً في أحياء الأحساء. وكان المحور الرئيس الذي تدور حوله المسرحية الاستعداد للزواج الشعبي البسيط، وما يصاحبه من تفاصيل متكررة. ومثّل رجوع الثنائي الكوميدي عبدالله التركي وعلي الشهابي، نقطة تضاف إلى العمل، كونهما من الشخصيات الفنية المؤثرة في الجمهور، إلا أن بروز الفنان الشاب عبدالرحمن الدوسري، كان طاغياً وواضحاً وتأثيره امتد لأبطال العمل التركي والشهابي، اللذين لم يتمالكا نفسيهما في أكثر من مشهد، إذ سقطا على الأرض من الضحك. وأشاد كثيرون بإمكانات الدوسري، وتوقع له ناقدون «مستقبلاً فنياً واعداً»، وهو ابن الفنان القديم مثل الدوسري الذي كان مسرحياً مهماً، لم يكمل مسيرته الفنية وأنهاها باكراً. إلا أن الابن كان سر أبيه، وأكمل المشوار بتفوق. ونجح المخرج في توظيف الطاقة الشبابية لممثلين شباب وتطعيمها بأسماء الخبرة، وبات المزج ناجحاً وذوبان الجيلين موفقاً، إلى جانب تعمد أن تكون لغة الحوار محلية صرفة، للتأكيد على خصوصية النص والعرض بكامله. وامتد العرض المسرحي ساعتين متواصلتين، وسط تفاعل كبير من الجمهور (من الجنسين)، إلا أن نهاية العرض لم تكن موفقة، إذ جاءت تقليدية بسيطة مالت إلى الإنشائية في بعض المواضع. وهذا لم يقلل من القيمة الفنية للعمل، ما حفز إدارة المسرح على الإعلان عن تمديد العرض، «تلبية لرغبة الجمهور المتعطش للمسرح الكوميدي الشعبي». وأعادت هذه المسرحية المطالبات المتكررة بإنشاء مقر خاص وأكبر للجمعية النشطة، التي حققت جوائز محلية وخليجية وعربية في محافل كثيرة، ومن داخل مبنى مستأجر ومتواضع، سعى أعضاؤها المحبون والمولعون بالمسرح لإنشاء مسرح صغير بجهود ذاتية، ومن يقرأ أو يسمع عن هذه الجمعية ومنجزاتها وسمعتها سيفاجأ أنها من دون مبنى مستقل بل هو مستأجر ومتواضع جداً. وتملك جمعية الثقافة والفنون في الأحساء أرضاً في مجمع الإدارات الحكومية، ومخططاتها تحوي مسرحاً كبيراً ومميزاً يتسع للجمهور الكبير المتعلق بهذه الجمعية، إلا أن الدعم والمساندة من الجهات المعنية لا يزال غائبين، ما يجعل مشروع الحلم الذي امتد لأعوام طويلة من عمر الجمعية متوقفاً على دعم لم يأت بعد، وتتجاوز مساحة الأرض المخصصة ألفي متر مربع، إلا أنها لا تزال أرضاً خاوية تنتظر أن تتحول إلى مقر دائم لجمعية تعد أقدم جمعيات الفنون في المملكة، وبنظرة واحدة لعدد الحضور المزدحم على بوابة أي عمل فني تقدمه، يمكن أن توضح صورة معاناة عاشقي الفن العاملين فيها مع عدم تسلمهم لظروف الجمعية وقهرهم لها، من أجل تقديم فن راقٍ لجمهور مثقف متعطش إلى مثل هذه الأعمال.