لم يكن أمس يوماً عادياً أبداً، ولم تمر ساعاته المعدودات مرور الكرام. وعلى الرغم من أن التشريعات الإسلامية تولي يوم التروية مكانة كبيرة، إلا أن نحو 1.5 مليون حاج رسّخوا سويعات يوم أمس في ذاكرتهم، خصوصاً بعد أن زحفوا صوب المشعر الحرام منذ ساعات صباح أمس الأولى إيذاناً باستهلال مناسك حجهم واستناناً بسنة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. ورسمت جملة من المتغيرات الاجتماعية والظروف المناخية والموروثات الدينية ملامح يوم استثنائي على محيا «يوم التروية». وداخل مشعر منى، تنامت مساحات السعادة داخل خوالج ضيوف الرحمن المتوجهين إلى المشعر الحرام، الذين أخذ جلهم مواقعهم داخل مخيمات وفرتها لهم مؤسسات الطوافة وشركات حجاج الداخل، في حين فضّل آخرون سلكوا سبلاً غير نظامية الركون إلى المساحات المسطحة والهضاب والجبال فافترشت أرضيتها ونصبت على ما تبقى منها مئات الخيام البلاستيكية. وفي الوقت الذي لاقت فيه سلع الباعة الجائلين رواجاً مقبولاً لم يرتق إلى نظيره مع سلع المباسط الثابتة ونقاط البيع الموقتة التي تجمهر حولها المشترون طويلاً، قبل أن تشيح الشمس بناظرها من كبد السماء الملبدة بالغيوم، مالبثت أن انهمرت زخات المطر بغزارة على المشاعر المقدسة، لتغسل الهموم وتلطف الأجواء، قبل أن تقضي على ظاهرة الافتراش بنسبة كبيرة، خصوصاً بعد أن سالت أودية وشعاب المشعر الحرام بالمياه المتدفقة من كل حدب وصوب. واستن الحجاج سبلاً جديدة وبدائية لمجابهة الأمطار الغزيرة، ولم تفلح المظلات بالصمود في وجه الرياح «العاتية»، بينما لامست السبل البدائية جادة النجاح. ومع استمرار هطول الأمطار، تسببت السيول في ارتباك مروري أدى إلى إغلاق الطرق الرابطة بين مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة، لتمتد طوابير السيارات والحافلات المكتظة عن بكرة أبيها بآلاف حجاج بيت الله الحرام طويلاً، بعد أن شلت الحركة تماماً في جل الطرق الجنوبية والشرقية في العاصمة المقدسة. وطاولت الانعكاسات السلبية لانهمار الأمطار الغزيرة أمس الطرق المؤدية إلى مكةالمكرمة، إذ حبست الأمطار الغزيرة والسيول الخطرة وفقاً لمصادر مطلعة نحو 350 ألف حاج عن دخول المشاعر المقدسة بعد أن تم إغلاق جميع المنافذ المؤدية إلى العاصمة المقدسة. وكعادتها، استنفرت الأجهزة الخدمية والإشرافية والأمنية السعودية أمس جهودها لحماية ضيوف الرحمن من مخاطر السيول، وهرعت فرق الهلال الأحمر والدفاع المدني وأمانة العاصمة المقدسة سريعاً لمعاينة العديد من البلاغات والحالات، وأنقذت العديد من حالات الاحتجاز والغرق في مناطق جنوب وشرق مكةالمكرمة. كما تم شفط العديد من المستنقعات المائية التي خلفتها الأمطار.