في عقود الإصلاح الاقتصادي الصيني الماضية، اعتبرت الصين بخبرة العالم الخارجي، وخصوصاً الولاياتالمتحدة. وارتقت اللغة الإنكليزية، وهي لغة الأعمال، الى اللغة السائدة في أوساط رجال الأعمال الصينيين، وكثر استخدام الاختصارات الإنكليزية في وسائل الإعلام الصينية، وفي قاعات المؤتمرات في طول البلاد وعرضها. وفي الأعوام الثلاثين الماضية، خلف النظام القضائي الانكلو- ساكسوني أثره في تطور النظام القانوني الصيني، شأنه شأن تيار الليبرالية الجديدة والتحديث الاقتصادي الذي أسهم في نمو اقتصاد السوق الصيني، والأسواق المالية. والدعوة (الصينية) إلى «التقرب من العالم» كانت في مثابة دعوة الى الاحتذاء على الولاياتالمتحدة. وهذه كانت، الى وقت قريب، مرشد أو «مثال» تطور اقتصاد السوق الصيني، في الأعوام الثلاثين الماضية. ونظر الصينيون الى الولاياتالمتحدة نظرة تلميذ يشعر بالمهابة أمام معلم كبير، وكنوا له الاحترام والتقدير. وفي التسعينات، انتقد الأميركيون الصين لفشلها في ضمان أصولها في سوق الأوراق المالية، ولإخفاق الصين في توفير إطار قانوني عملي يسند الأصول هذه ويضمنها. ولم ننسَ كيف كان المسؤولون الأميركيون يدعون، في زياراتهم الصين، المسؤولين الى تقليص الاحتياطات الأجنبية وإلى الإفراط في الاستهلاك. وغداة الأزمة المالية التي تتهدد نمو الاقتصاد العالمي، تشوهت صورة المرشد الأميركي. وفيما كان الصينيون ينغمسون في قطاع الانترنت، بلغت ترددات انفجار فقاعة الانترنت في الولاياتالمتحدة قطاع التكنولوجيا المتقدمة. ورأى الصينيون أن الفقاعة هذه هي دليل أن الاقتصاد الافتراضي الأميركي «غير واقعي». وبينما كان الصينيون يتحدثون عن تفوق نظام المحاسبة الأميركي، أماطت فضيحة شركة «انرون» النفطية اللثام عن تزوير الشركات الأميركية سجلاتها المالية. وعندما كنا نعد مشروع استخدام المشتقات المالية في عدد من المصارف الصينية، بلغنا خبر إفلاس مصرف «ليمان براذرز»، ونجمت أزمة العولمة منه، فتبدد احترامنا النموذج الأميركي، وحلّت محله الخيبة. وأدركنا معنى عبارة «ما من شيء مستحيل». وفي العام الماضي، هزت موجات تسونامي المالية النظام المالي. وخيّب انهيار المصارف الاستثمارية العملاقة آمالنا في النظام المالي الأميركي. ويتساءل الصينيون كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتصرف على هذا النحو المخيب للآمال عندما نكون في حاجة الى نموذج يحتذى في الإصلاحات المالية. وحسبنا أن قانون مكافحة «الممارسات الخارجية الفاسدة» الأميركي أسهم في بناء مجتمع أعمال وإدارة أعمال «نظيف» أو نقي من الشوائب. فبلغتنا فضيحة شركة «بفايزر» للأدوية التي روجت عقاقير لم تحز إجازة سلامة الاستخدام وفضيحة مؤسسة «كونترول كومبوننتس انك» (مؤسسة ضبط المكونات). وأدخلت سياسة إدارة بوش الأحادية المتعجرفة الولاياتالمتحدة في مواجهة مع بقية العالم، ومع حلفائها التقليديين. والآمال الكبيرة (وقد تكون غير واقعية) معقودة على إدارة باراك أوباما، الرئيس الأفريقي -الأميركي الأول في تاريخ أميركا، في وقت يطعن الصينيون في نموذج التنمية الاقتصادية الأميركي. * شريك في مؤسسة «جونز داي» القانونية، وأستاذ زائر في كلية الحقوق في جامعة بكين، عن «تشاينا دايلي» الصينية، 19/11/2009، إعداد حسام عيتاني