تفتح سوق الأسهم السعودية «تداول» أبوابها أمام المستثمرين الأجانب هذه السنة، وهي خطوة جعلت الحكومات والشركات الخليجية خارج نطاق المملكة تفكر بتداعيات هذا الأمر على دولها. وتنشأ مخاوف لدى هذه الدول من إمكان سحب المستثمرين أموالهم من أسواقها وضخها في الشركات السعودية، ما سيؤدي إلى خروج تدفقات سيولة سريعة، ويؤثر سلباً في البورصات المحلية. ورأى رئيس قطاع البحوث في شركة «آسيا للاستثمار» فرانسيسكو كينتانا في تقرير، أن «أنماط الاستثمار في المنطقة، والشواهد من الأحداث المماثلة السابقة، وعوامل الدورة الاقتصادية الحالية، ستبدد هذه المخاوف في شكل كبير». وأضاف: «تُظهر طريقة الاستثمار التقليدية في المنطقة أن أي إعادة توزيع للأصول بطريقة مفاجئة أمر مستبعد، فالمستثمرون المؤسساتيون في منطقة الخليج، واللاعبون الرئيسيون فيها، لا يسحبون أصولهم من بلد واحد لاستثمارها في بلد آخر، إذ يسير هؤلاء وفق منهجية أكثر تدرجاً. وعند اتخاذهم قرار زيادة انكشافهم على بلد ما، فإن التغير يُنفذ عبر استثمارات تقليدية، من دون تجريد أصولهم من الأسواق الأخرى». ولفت إلى أن «هذه المؤسسات غالباً ما تتبع توزيعات قائمة على قواعد، أي عليها توزيع أصولها عبر الدول بعد وجود قاعدة موضوعة مسبقاً، بحيث تكون مربوطة عادة بالنسبة المئوية للناتج المحلي الإجمالي للبلد، كما أنها مضطرة للحفاظ على نسبة مئوية معينة في محافظها في كل بلد، وهذا القيد المفروض على إستراتيجيتها يقلص مستوى التقلب عموماً». وأضاف كينتانا: «لم يحدث أن حرّضت أحداث مماثلة على إعادة توزيع رأس المال في المنطقة، فمثلاً في حزيران (يونيو) 2014، تمت ترقية سوقي قطرودبي من مؤشر الأسواق شبه الناشئة إلى مؤشر الأسواق الناشئة، وهذه الخطوة التي أعلن عنها مطلع عام 2013، تؤدي في معظم الأحيان إلى زيادة تدفقات رأس المال الأجنبي». وأكد أن «حجم الاستثمارات من مستثمرين مؤسساتيين أجانب في السوقين، أدى إلى ارتفاع التدفقات في سوق دبي من 203 ملايين دولار عام 2012 إلى 709 ملايين في 2013، بينما كان التغير أكبر في قطر، فبعد أن خرجت تدفقات قيمتها 925 مليون دولار من السوق عام 2012، بلغ صافي التدفقات التي دخلت السوق 616 مليوناً عام 2013. وأوضح كينتانا أن «هذه الزيادات لم تنتج من سحب الاستثمارات من دول أخرى، فمثلاً في الكويت تراجعت التدفقات التي تأتي من هؤلاء المستثمرين قليلاً، من 639 مليون دولار عام 2012 إلى 509 ملايين في 2013. ومن الدروس المستفادة الأخرى أن ترقية هذين السوقين لم ترفع نسبة المستثمرين الأجانب من الناحية النسبية. ففي عام 2014، ارتفعت نسبة الأسهم القطرية المشتراة من أجانب، من ثمانية إلى 9.1 في المئة، بينما في دبي ارتفعت من 17 إلى 17.3 في المئة. وشهدت أبو ظبي تغيراً مماثلاً، إذ ارتفعت نسبة استحواذ الأجانب من 10.4 إلى 11.4 في المئة. ونظراً إلى أن سوقي قطرودبي شهدتا عائدات ضخمة خلال تلك الفترة، بلغت 55 و119 في المئة على التوالي، ترتب على الأمر زيادة في الطلب أتى معظمها من مستثمرين محليين حولوا مصادر من أصول أخرى إلى أسهم من هذه الدول. وهذا ما يتفق مع النتائج التي استخلصها صندوق النقد الدولي حول المحافظ الاستثمارية في دول الخليج، التي تظهر انحيازاً محلياً قوياً في المنطقة، فالمستثمرون الخليجيون يفضلون الاستثمار في أسواقهم المحلية. وأكد كينتانا أن «معظم الاستثمارات التقليدية في السعودية قد يكون مصدرها مستثمرون في الخليج، ما سيخفف من أثر التغيرات التنظيمية. فالمستثمرون الخليجيون لديهم انكشاف غير محدود على السوق السعودية، ما يقلص احتمال إعادة توزيع رؤوس الأموال في شكل كبير يلي هذا التغير، كما قد يكون المستثمرون الخليجيون قادرين على أخذ مراكزهم تدريجاً من دون الحاجة إلى انتظار الموافقة رسمياً على تغير التشريع». ورجح أن «يكون تحرير السوق تدريجاً من خلال قيود أولية تفرض على المستثمرين الأجانب الذين ربما سيلجأون إلى اتخاذ موقف حذر في المراحل الأولى، ما يقلل فرصة حصول أي تعديل سريع». وشدد على أن «عوامل دورة التقلبات الاقتصادية ستخفض أثر انفتاح سوق «تداول»، فانهيار أسعار النفط أخيراً خفف ثقة المستثمرين الإقليميين، وعلى رغم التعافي الخجول، إلا أن سعر برميل النفط لا يزال أقل ب50 في المئة مقارنة بحزيران الماضي». وفي حال لم ترتفع أسعار النفط، فإن قدرة إنفاق الحكومة السعودية، التي تعد المحرك الرئيس للاقتصاد السعودي وعاملاً رئيساً يفسر أداء الشركات المدرجة في السوق، ستتأثر كثيراً، وسيكون على السعودية المنافسة من أجل جذب اهتمام المستثمرين مع أسواق مهمة جديدة مثل الصين، التي تصنف بورصتها حالياً كسوق ناشئ وفق مؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال»، كما شرعت الصين في عملية تحرير لسوقها من خلال تسهيل دخول المستثمرين الأجانب تدريجاً وتملكهم أسهماً في شركاتها المدرجة. وأضاف كينتانا «في حال فتحت السوق السعودية أبوابها خلال العام الحالي، فستجذب اهتماماً كبيراً من المستثمرين الأجانب، ولكن العملية ستكون تدريجية، وأثرها على المنطقة معتدلاً، ويُستبعد الآن حدوث أي عملية سحب كبيرة للسيولة من الأسواق الكويتية والإماراتية أو أي بلد خليجي آخر وضخها في سوق المال السعودية».