إذا كانت الدول العربية لا تستطيع حل القضية الفلسطينية، وإذا كانت دولنا الفقيرة تعاني من شح الموارد وخصوبة النساء، وإذا كان التعليم مشروع أجيال وفي ضمير الغيب، فإن هناك قضية يساهم حلُّها في تخفيف كل مصيبة أخرى من النوع الذي بدأت به، والحل ممكن إذا توافرت النيات. القضية هي الفساد، وهو موضوع أعود اليه بين حين وآخر، وأتوكأ على المؤشر الدولي للفساد الصادر عن هيئة الشفافية العالمية. أزعم أن الدولة العربية التي لا تستطيع إصلاح نظام التعليم فيها غداً تستطيع أن تشن حرباً على الفساد غداً، وأن تهزمه قبل صدور المؤشر السنوي التالي، قرب نهاية 2010. ثمة نقطتان قبل أن أكمل، الأولى أن المؤشر الدولي ليس وحياً، ولا بد أن فيه أخطاء، الا أنه صحيح في مجمله. والثانية أن الفساد مرفوض في كل بلد، إلا أنه أهون في بلد ثري «الكعكة» فيه كبيرة بما يكفي ليحصل كل مواطن على قطعة منها، وهو يصبح جناية في بلد فقير يُسرق فيه من كعكة لا تكاد تكون موجودة. قارنت بين مؤشر هذه السنة الذي صدر أخيراً ومؤشر السنة الماضية، ووجدت أن الدول العربية الأقل فساداً حافظت على مواقعها المتقدمة، وأن الدول العربية الأكثر فساداً لا تزال في المؤخرة. آخر خمس دول هي العراق في المرتبة 176 التي يتقاسمها مع السودان، ثم ميانمار فأفغانستان فالصومال في المرتبة الأخيرة أو 180. وهكذا فأربع من الدول الخمس الأخيرة مسلمة، وثلاث منها عربية. وأدين الاحتلال الأميركي وأحمّله المسؤولية مناصفة مع حكومتي العراق وأفغانستان على الفساد المستشري والباقي. وبما أنني لا أعتبر الصومال دولة قائمة، فإنني أعطي المركز الأخير لدولتين مسلمتين احتلتهما إدارة بوش. إيران ليست بعيدة عن أسفل القائمة فهي سجَّلت رقماً قياسياً في الهبوط من الدرجة 141 السنة الماضية الى 168 هذه السنة، ومعها تركمنستان وبعدهما أوزبكستان، وهما بلدان مسلمان أيضاً. أفضل موقع عربي احتلته قطر فقد صعدت من المرتبة 28 السنة الماضية الى 22 هذه السنة، فكانت بعد بلجيكا مباشرة، وقبل فرنسا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى. وارتفعت الإمارات العربية المتحدة من المرتبة 35 السنة الماضية الى 30 هذه السنة. ولعل أفضل ما في الإنجاز القطري والإماراتي أنه جعل دولتين عربيتين تتقدمان على إسرائيل التي احتلت المرتبة 32 هذه السنة وارتفعت درجة عن موقعها السنة الماضية. أصر على أن المؤشر لا يعرف حقيقة إسرائيل فهي فاسدة بقدر ما هي فاشستية، وكان أبو عمار يحدثني عن اضطراره لرشوة المسؤولين الإسرائيليين لتأمين طلبات الحياة اليومية للفلسطينيين. وأسمع الشكوى نفسها من أخينا أبو مازن هذه الأيام، وأعرف أن مشروع الهاتف المحمول الثاني في الأراضي الفلسطينية تأخر لأن السلطة لا تملك المبالغ المطلوبة لرشوة كبار المسؤولين الإسرائيليين. سلطنة عُمان ارتفعت الى المرتبة 39 من 41، والبحرين في المرتبة 46 بعد أن كانت في المرتبة 43 والأردن في المرتبة 49 بعد ان كان في المرتبة 47، وتونس في المرتبة 65 من المرتبة 62، والكويت تقريباً في مكانها نفسه وفي المرتبة 66 بعد 65 السنة الماضية. المملكة العربية السعودية ارتفعت بشكل ملحوظ في مؤشر الفساد فبعد أن كانت في المرتبة 80 السنة الماضية تقدمت الى المرتبة 63. أمّا سورية فحققت الرقم القياسي بين العرب وصعدت من المرتبة 147 الى 126، بفارق 21 مرتبة، إلا أنني أرجو أن أرى تقدماً مماثلاً السنة المقبلة لتنتقل سورية الى النصف الأول من مؤشر الفساد. مع ذلك، الإنجاز السعودي والسوري في سنة واحدة يؤكد ما ذهبت اليه في البداية من أن محاربة الفساد أسهل من استرجاع فلسطين، أو تعليم المعلمين، وأن النتائج تظهر خلال سنة، وتساعد الحكومة على حل المشاكل الأخرى. أفسد مقارنتي بين المؤشر هذه السنة والمؤشر السنة الماضية أن لبنان هبط من المرتبة 102 السنة الماضية الى المرتبة 130 هذه السنة، أي بخسارة قياسية هي 28 درجة. وهو الآن مع ليبيا، إلا أن هذه دولة نفطية كانت السنة في المرتبة 126. ومراتب لبنان وليبيا السنة الماضية، وهذه السنة متأخرة وتدين حكومتي البلدين. أهنئ قطر والإمارات والسعودية على انجازها، وأطالبها بمزيد من النجاح السنة المقبلة مع وعدي لها، أو وعيدي، بأن أعود الى الموضوع مع المؤشر المقبل، لأسجل مواقع العرب هبوطاً أو صعوداً. [email protected]