إدعاءات مفرطة. مزاعم مخجلة. هرطقات إعلامية صفتها «عجيبة» و «أليمة». ألسنة سوداء تصب الزيت على النار. شحن وتهديدات يرافقها تهويل وتبجيل و«فهلوة» متاجرة بالوطنية والقومية. فرح وشغب في الجزائر. تجمهر وشغب في مصر. هوس وجنون في بلدين عربيين. تنافس غير شريف غابت عنه الروح الرياضية. أبواق تردح على الجانبين لتبث روائح وأحقاداً كريهة بين شعبين شقيقين. أيتها الماكرة. أيتها المستديرة المجنونة! أيتها القطعة الجلدية المتطايرة، كما وصفتها ريما مكتبي، ماذا فعلت من سوء خصام بين شعبين شقيقين؟! ماذا فعلت بعقول وقلوب «ثعالب» و«فراعنة»؟! لماذا لم تخجلي أيتها الساحرة؟ لماذا أعدت العرب إلى حروب الجاهلية الأولى؟ بلطجة «مأجورين»، آسف وطنيين. كلام «تافه» يراق على أوراق صفراء وينفث على قنوات «هايفة». هل يسميها المحايد، نرجسية أم شوفينية أم شوزوفينية أم هستيريا كروية ممزوجة بوطنية ممجوجة؟! استدعاء سفراء. اتصالات بين وزراء. دعوات إلى القطيعة والانزواء. قتلى وجرحى في حوادث احتفالية ومظاهرات غبية. غاب العقل وفقد ضبط النفس واحتكمت العواطف السياسية والرياضية إلى نزوات «إعلام مأجور». مصريون مقيمون في الجزائر تحولوا إلى رهائن على ذمة الإعلام المصري. جماهير جزائرية عادت في توابيت على ذمة الإعلام الجزائري. صحف مصرية تكتب عن اختفاء إعلاميين وفنانين مصريين في مطاعم ومنازل سودانية خوفاً من سلاح أبيض بيد جزائريين «مشاغبين». النتيجة: أزمة ديبلوماسية وسياسية بين بلدين شقيقين. اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي المصري لاتخاذ إجراءات رسمية ضد أفعال الجماهير الجزائرية. جامعة الدول العربية تلوح بالتدخل بسبب مباراة كرة قدم وشغب جماهيري. وردة الجزائرية تغني «العبرة بالخواتيم». جماهير جزائرية تهتف «درتو اللي عليكم وضرك نديرو اللي علينا»، في استقبال منتخب بلادها المتأهل لمونديال كأس العالم في مطار هواري بومدين. أحلام مستغانمي تفتح النار على مصر وتحسم النتيجة لمصلحة إسرائيل. اللبنانيتان هيفاء وهبي ونانسي عجرم تدخلان على خط المعركة لمؤازرة مصر، والجزائر تتوعدهما بالمنع من دخول أراضيها. «هدولا حثالة ومرتزقة بيدبحوا عيالنا في الخرطوم». «ماينفعش نصير زي الهمج». «صبرنا كتير بس دا اهانة لكرامة مصر»، هذا غيض من فيض ما قاله إعلاميون وفنانون مصريون «متعصبون» ضد جزائريين. استدعت مصر سفيرها لدى الجزائر للتشاور بعد ضغط شعبي جراء هزيمة منتخب بلادها، وإثر تقارير صحافية مصرية عن اعتداءات تعرض لها مشجعوها في الخرطوم بعد مباراة فاصلة سميت في صحف عربية وأجنبية ب «معركة أم درمان». انهارت العروبة وتساقطت قيم المنادين بالقومية «المخذولة». استدعت الخرطوم قوات الأمن والجيش وربما قوات الاحتياط حتى ان تلك المباراة المقامة على ملعب المريخ السوداني شبهت ب 11 أيلول (سبتمبر) جديد بين بلدين عربيين. دعوات إلى قطع العلاقات وطرد السفراء. «أزمة» سياسية وديبلوماسية بين ثلاث دول عربية هما طرفا المباراة (مصر والجزائر)، والبلد المضيف (السودان) الذي لا ناقة له ولا جمل سوى رغبة في استضافة الأشقاء استجابة لقرعة مونديالية. عبرت مصر عن غضبها واستهجانها إزاء استمرار شكاوى مواطنين مصريين في الجزائر إزاء ما تعرضوا له من ترويع واعتداء وتحطيم لممتلكاتهم، وفعلت الجزائر بالمثل عملاً بما تقوله الديبلوماسية (المعاملة بالمثل). في المقابل فعل السودان إذ استدعى سفير القاهرة لديه للتعبير عن غضبه على نشر وسائل الإعلام المصرية أنباء خاطئة حول الاشتباكات التي حصلت بعد المباراة. يحق للسودان الامتعاض من ادعاءات ومزاعم غير صحيحة، فبدلاً من شكره لاستقبال 35 ألف مشجع وضمان الأمن لهم على أرضه، يتحول إلى طرف «متواطئ» في قضية يتجاذبها إعلام في البلدين يزغرد بالشعارات لملء الفراغات. أحداث مؤسفة. حلول مؤسفة. روح رياضية غائبة. طغيان للنرجسية. غابت دعوات الحكماء والعقلاء في مصر والجزائر لتضميد الجراح الكروية وتشخيص الداء، ما ألهب ردود الأفعال وضيع وصفة الدواء لاستئصال الاحتقان من وجدان شعبين شقيقين. كانت الرياضة على الدوام تصلح ما تفسده السياسة، لكن في حالة مصر والجزائر أفسدت الرياضة ما صنعته السياسة من تضحيات وعلاقات بين البلدين. مسكين السفير الجزائري لدى القاهرة. مسكين السفير المصري لدى الجزائر. كنتما ضحية «كورة» وظهر البقية فتوة. نفوس مشحونة، قلوب معطوبة، ألسنة مجنونة، علقت المشانق على «المؤامرة» المسكينة التي يلدغها العرب ذهاباً وإياباً. مسكينة تلك المؤامرة وموادها المغشوشة وتجارها المأجورون بعد أن هبطت العقول إلى أسافل الأقدام ليركلها المتعصبون والمشاغبون والنرجسيون والمبالغون لتتحول إلى كرات من اللهب والحقد الدفين. لكن... ذات يوم ستتألم مصر والجزائر لما مضى لأنه الأقسى على اللسان والقلب والعقل والقدم بسبب مباراة كرة قدم. [email protected]