في هذا المساء ستجلس على الأريكة بالوضعية المعتادة، تشاهد أحد برامج الطهي، وقد يخلو ذهنها من أي مواضيع عن الحاضر، المستقبل، وأي شيء آخر يعتريه تشويش متعمد أو جاء مصادفة. ستطرُق الجارة بابها، وهي تنعتها بأم حازم، فهي المرأة التي نسي الآخرون اسمها، وحده حازم يناديها باسمها مع كثير من التدليل. بينما تصبح أم حازم إمرأة منشغلة بالحالي فقط، ستجلس بعض النسوة، يقارن بين تلك الشخصية والكاتبة، فكلتاهما أم حازم، ربما لن أهتم أنا الكاتبة بذلك وأنشغل بشخصيتي التي أود أن أكتب عنها، وقد أفكر قليلاً في الأمر. أم حازم تعرف صنع الكعك وتبهر جيرانها بروائحها المتصاعدة عبر المطبخ. ستقف لتعد صينية البطاطس. تقشر البطاطس في شكل آلي. تلحظ أن السكين بات بارداً. هي بحاجة الى أن تقوم بسَنه. الآن أصبح المسَن الذي اشترته من السوق بعشرة جنيهات، ذا فائدة. تُدير ظهرها للحوض، وتتحرك بضع سنتميترات لتفتح أحد الأدراج. تخرج منه المسّن، وفي عقلها جملة قديمة «لا يفل الحديد إلا الحديد». بحركة آلية تمضي في سَن السكين. لا تعرف متى ينبغي عليها أن تتوقف. جرس الباب يفسد اللحظة. تتجه نحو الباب، فتقابلها الجارة بتساؤلات حول طريقة عمل مربى التوت. أم حازم تُفكر. ليس لدينا من ثمار التوت ما يكفي لنصنع منه المربى. بالكاد نراه فى شم النسيم. لا شك أن أمراً آخر خلف الزيارة. تجلس الجارة على مقعد قريب من الباب، عيناها تخرجان من مقلتيها وتتجولان في الصالة الكبيرة. هناك آنية زُهور جديدة: من أين اشتريتها، كم سعرها، هل تتوافق مع طراز منزلك، لماذا لا تضعين فيها زهوراً؟ وأم حازم تجيب في حماسة. تحتاج صك التفوق والجارة تمنحها ذلك. الزميلات من الكاتبات وربما يشاطرهن بعض الكُتاب يقومون بدروس في التشريح الآن، يبحثون في التفاصيل عن شخصية الكاتبة، تعاونهم بعض الذكريات وثرثرة نالت أذن أحدهم/ إحداهن عن مهاراتي أنا أم حازم أو عزة التي أذكرها في صنع بعض الأصناف. سأفكر في رفاق الإبداع، كما ستفكر أم حازم في الجارة، وستأتي أفكارها متوافقة مع رائحة حريق في المطبخ، تهرول وخلفها الجارة المتعاطفة جداً، لحرق اللحم، بخاصة مع التصاعد الجنوني لأسعاره. اليوم لن يأكل الأطفال لحماً، أحدهم يمتلك سلاطة في اللسان مع حاسة تذوق ممتازة، لن تفلت من كلماته، والجارة التي مُنحت فرصة لاختراق المطبخ، ستقف، وتعلق على المسَن، وتطلب اقتراضه، لديها سكاكين باردة. السكاكين الباردة أكثر قسوة، تقطع الوقت، وتمنح فرصة للتفكير، لماذا يرغب الجميع بأن يكون فى صرامة جرَّاح يمسك بمشرطه في غرفة العمليات، عليه أن يقطع سريعاً قبل أن يفيق مريضه؟ وكأن تلك اللحظات التي سنستهلكها في تقطيع السلاطة سوف تهدر عمرنا! إنها التفاصيل التي تسرق الوقت والروح، وأم حازم تقف منكسرة أمام حلَّة اللحم المحروق، وفي قلبها تردد الأدعية المسيئة للجارة التي ألهتها عن متابعة الطعام، والجارة لا تفارق، ربما قررت بداخلها أن تفسد لها اليوم. الجارة تجمع نظراتها من الحلل والأطباق، تُمسك قطرات الماء من الحنفية، فتعلق وتعطي التعليمات، التي تسترجعها من برنامج تلفزيوني، لكن أم حازم لا يشغلها الآن سوى اللحم المحروق، والصبية الذين سيصرخون جوعاً، والجارة التي جلست على مقعدها في المطبخ، وقدر كبير من الخجل، يربك أم حازم فلا تستطيع انهاء الزيارة، والعودة لأعمالها. ورفيقات الكتابة ما زلن يبحثن عني في هذا النص العادي جداً ويؤولن أي شيء. هن في حاجة لقتل الوقت، فليقمن بسَن ألسنتهن، واستعراض ذكرياتهن عن امرأة لا يرونها إلا على فترات متباعدة. ألم أقل يوماً إن المرأة هي التي تقهر المرأة. عادت أم حازم لسَن السكاكين كلها، تفلت غيظها مع كل حركة، والجارة يقشعر بدنها لمضاجعة الحديد للحديد، فتجز على أسنانها، وكلما لاحظت أم حازم ذلك أسرعت في حركة يديها مصدرة صوتاً أعلى. الجارة كسرت جزءاً من ضرسها أثناء الجز. بعض من الراحة دخل إلى صدر أم حازم، لقد تعادلتا، حرق الطعام في مقابل كسر الضرس. الجارة أصابها الغضب، كبحت لجام نفسها، وهي تتأكد بداخلها أن أم حازم فعلت ذلك قصداً، ولم تفكر أنها عطلتها قصداً أيضاً. قامت من كرسي المطبخ لتعود إلى شقتها. طيب أستأذن بقى يا أم حازم، أشوف حل لضرسي. طيب مع السلامة يا أم... «معلش متآخذنيش؛ نسيت إنه معندكيش عيال».