لفت نظري عند مناقشة منح المرأة السعودية حق استصدار جواز سفرها بنفسها أسوة بزميلتها الكويتية، وما قد يتبعه من السماح لها بالسفر من دون إذن من أحد، تعليق إحدى الحاضرات: «والله ما يبقى لهم أحد إن حصل، ولن يحصل»، وقصدها أن المرأة السعودية ستهجر بلدها وأهلها وتسافر، ومن أجل ذلك لن يطاولها هذا الحق، ولأنه سيناريو افتراضي فلا مانع من الاسترسال، وزد عليه أنني لا أستبعد سفر عدد من السعوديات في البداية ولكن السؤال: إلى متى؟ فلا حرية من دون مسؤولية وإلا تحولت إلى فوضى، ولأن المرأة السعودية لم تذق حريتها في الاختيار ووجود بدائل لاختيارها، فقد تمر بحال من الارتباك مع وضعها المستجد، فلا أحد يحب قيوده ولو كانت ذهباً، وعليه فقد تستولي عليها الرغبة في الاستمتاع بهذا الحق الغالي، ومن الجائز أن تخونها قراراتها، وهي التي لم تتعود على اتخاذها، وهنا أعود إلى الجذور، فوحدها التربية تحدث التميز والاختلاف، فأنت لن تفقد ما لا تملك. دائماً ما نوصف بالمجتمعات المحافظة، فلم وهذا حالنا نخاف من رد فعل نسائنا إن توسعت مساحة حريتهن؟ فالمجتمع المحافظ يعني امرأة محافظة يعني امرأة لا تهجر زوجها أو أباها أليس كذلك! ومع ذلك لا نجرؤ على فتح الموضوع وتداوله، لأننا أدرى الناس بأن قمعنا ومنعنا أمدنا بالقوة والتحكم، ومتى ما تنازلنا عن بعض التخويف والسلطة فلا نضمن بقاء نسائنا ولا ولائهن، فهل يكون أن المجتمعات الأخرى أقدر منا على الحب والتفاهم وأرقى في توثيق الأواصر! هل يكون أننا فشلنا في التعاطي مع مشاعرنا فاستسهلنا لغة الأوامر حتى ارتضيناها لغة مجتمعنا فأنستنا كيف يكون الحوار! هل يكون إنْ فتح الرجل «المحافظ» بابه لابنته أو زوجته فستتركه وتغادره غير آسفة عليه! ما أضيعنا حين تُنتهك حقوقنا وعوضاً عن رفع الظلم عن غيرنا نعبث بحقوقهم، وأقرب الناس إلينا... نساؤنا! وما أتعسنا حين تتحول تقاليدنا إلى جسور نستغلها في تمرير لا منطقنا، والأجدى أن تكون الفضيلة بالعقل والفعل وليس في حشرها بالحسب والنسب والتصنيفات العشائرية والطبقية، والمفروض أن الأب الناجح والزوج الذي لا غنى للمرأة عنه لا يخشى من أنثاه شيئاً، لأنها «خبز يديه» -على حد تباهيه- ووفاؤها من وفائه. الرجل السعودي اليوم اختلف في طبائعه وأخلاقه ومبادئه عن الرجل الذي كان عليه آباؤه وأجداده، فلم يكن شاغل أمهاتنا وجداتنا أن يؤمّن لقمة العيش لأبنائهن لأن الرجل الراعي لم يعد يرعى غير شلته وأنانيته، ولم تكن دموعهن تستجدي أزواجهن في استرحامهن واستحضار الضمير في معاملتهن وتسريحهن، فمن المفروغ منه أن يكون الرجل حينها إنسانياً، ولأنه كذلك فكان لا يقبل بأقل من امرأة تقوّم تضحياته وشهامته وإحساسها معه بالأمان، والعجيب أن رجل اليوم قد تخلى عن معظم صفاته التي ترفع من شأنه وصدارته، ومع ذلك وقر في نفسه أنه الرجل الذي له جميع الحقوق، مع أن الفرق واضح بين «الرجل» و «رجل»، فمن الممكن أن تُخلق ذكراً، ولكن من الصعب أن تكون «الرجل»، فقدِّر حجمك ولا تحرج نفسك حين تكون مجرد... رجل. [email protected]