أعلنت منظمة سورية غير حكومية تُعنى بالحفاظ على الآثار، أن متحف فسيفساء معرة النعمان الشهير الذي تضرّر في شكل كبير وبات معرضاً للانهيار نتيجة للحرب الدائرة في سورية، خضع ل «جهود طوارئ قام بها مختصون ومتطوعون في التراث الثقافي السوري، للحفاظ عليه وحمايته». وجاء الاهتمام بمتحف معرة النعمان الواقع في منطقة تسيطر عليها المعارضة السورية في محافظة إدلب (شمال غربي البلاد)، في وقت تتعرض مواقع أثرية عديدة في سورية للنهب والتدمير، كما زادت المخاوف على الآثار السورية قبل أيام، عقب قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي أقام «خلافة» في سورية والعراق، بتحطيم تماثيل أثرية في مدينة الموصل العراقية. وأعلن بيان مشترك وزّعته «منظمة اليوم التالي» (منظمة سورية غير حكومية)، أن فكرة «مشروع إنقاذ» متحف معرة النعمان بدأت تتبلور «خلال ورشة عمل إنقاذ التراث الثقافي السوري في صيف 2014»، ثم صارت مبادرة قامت بها مجموعة منظمات دولية تحت عنوان «مشروع حماية التراث السوري والعراقي». وتتألف هذه المجموعة من مركز بنسلفانيا للتراث الثقافي، جامعة متحف بنسلفانيا، مكتب وكيل الوزارة للتاريخ والفن والثقافة في معهد سميثسونيان، مشروع التكنولوجيات الجيوسياسية في المعهد الأميركي لتقدّم العلوم بجامعة شاوني ستيت، مؤسسة اليوم التالي (سورية غير حكومية)، ومعهد السلام الأميركي. ونقل البيان عن الدكتورة سلام القنطار، عالمة الآثار السورية، والباحثة الزائرة في معهد دراسة العالم القديم في جامعة نيويورك، وعالمة الاستشارات في مركز بنسلفانيا للتراث الثقافي: «لقد رأينا كيف وقع التراث الثقافي الذي لا يقدّر بثمن في سورية، ضحية التدمير بالمدفعية الثقيلة، والهجمات التفجيرية الموجّهة والنهب، بشكل لم يكن له سابقة من قبل». وتابعت القنطار: «نعلم جميعاً أنّ ما فعلته مجموعة من السوريين المكرسين، هو عمل صغير ولكنه عمل ذو مغزى وعمل شجاع، اتخاذ خطوات صعبة في زمن الحرب للحفاظ على التاريخ السوري للأجيال القادمة. دعونا نأمل أن يكون هذا باكورة الكثير من الجهود العملية الملموسة لحفظ التراث». ويحوي متحف الفسيفساء في معرة النعمان، مجموعات من أهم الفسيفساء الرومانية والبيزنطية في الشرق الأوسط، من الفترة ما بين القرنين الثالث والسادس الميلاديين. ويقع المتحف على بعد حوالى 50 ميلاً جنوب حلب، وتم بناؤه عام 1595 وأُعيد ترميمه كمتحف عام 1987. يهدف مشروع الحماية الطارئ، إلى «تأمين لوحات الفسيفساء من الأذى الذي يمكن أن يلحق بها أثناء فترة النزاع»، وفق البيان المشترك. وقام فريق من المختصّين السوريين، بعد استشارة خبراء في حفظ الفسيفساء، بوضع طبقة من الغراء والقماش المصمّم لتحصين وإبقاء القطع المكونة للفسيفساء متماسكة. وبعدها وضعت حمولات عدة من أكياس الرمل حول المتحف لحمايته من أي ضرر قد يلحق به. وقال شاكر الشبيب، خبير التراث السوري والمشارك في هذه الجهود: «إنّ مشروع الحماية الطارئ لمتحف المعرة، مثال عظيم على العلاقة الجوهرية بين الشعب السوري وتراثه. فالجهد الهائل الذي بذله سكان المعرة لحماية المتحف، هو جزء من صراعهم الثقافي لتجاوز هذه الحرب الفظيعة». أما البروفيسور عمرو العظم من جامعة شاوني ستيت، فقال إن «أهمية هذا التراث الثقافي البعيدة أكثر تجلياً عندما يتعلّق الأمر بمسألة الهوية الوطنية وما يجعل السوري سورياً. فبمجرد انتهاء أعمال العنف الحالية، سيحتاج الشعب السوري إلى إيجاد سبل لإعادة الاتصال مع الرموز التي وحّدته على اختلاف مساراته الدينية والسياسية في ما سبق. إنّ الماضي القديم للبلاد المتجسّد في هذا التراث الثقافي الغني، سيكون المفتاح لذلك. إنّ حماية تاريخ سورية وتراثها والحفاظ عليهما، هما بالنتيجة حماية لمستقبلها أيضاً».