جئت قبل ما يزيد على ثلاثين عاماً إلى ميدان إنتاج الثقافة، بدافع الشغف، أتطلّع إلى العمل على نشر أفكار تنبذ العنف، وترفض إقصاء الآخر، بهدف قيام مجتمعات مدنيّة تحترم حرية الفرد وتنبني فيها الجماعة على أفراد أحرار. لكن لنترك تلك التطلعات جانباً، رغم أنني ما زلت أتمسّك بها، لأنها تبدو اليوم خارج منطق ما نرى وما نعيش، ولننظر لما نحن بصدده لمناسبة معرض الرياض للكتاب. فهذا المعرض حَدَثٌ كبيرٌ على مستوى النشر في العالم العربي، وحَدَث في المملكة، وحدث في مدينة الرياض، يهتم به الناشر فيحرص على تقديم أفضل ما ينتجه، ويهتم به القارئ حتى لتجد مجموعات من القرّاء تأتي من أماكن بعيدة، وقد حضّرت نفسها لهذا المعرض، تتزوّد من الحريّة المعقولة التي يتيحها. وكم نتمنى أن يكون المسؤولين عن هذه التظاهرة الثقافية مدركين لقيمتها، فتتحوّل قاعة المعرض وأروقته إلى فسحة للعقول المنفتحة المحاوِرة التي تبحث عن الجوهر الحضاري والإنساني لمواجهة تلك العقول المنغلقة التي ترى أنها وحدها تمسك بالحقيقة، وأن غيرها على ضلال. ونحن اليوم نرى أبشع نتائج هذا النوع من التفكير. إنني أتطلّع إلى لقاء مبهِجٍ فيه الفرحة بالجديد التي تقدّمه دار التنوير هذا العام، وهو كثير، أذكر بعضه، فقد صدر الجزء الثاني من كتاب كارل بوبر «المجتمع المفتوح وأعداؤه»، وواحد من أهم كتب إيزايا برلين « الحريّة»، وأعدنا طبع «نقد العقل المحض» لإيمانويل كانط في طبعة أمضى الدكتور موسى وهبة سنة كاملة في مراجعتها، وأيضاً «أجمل قصة في تاريخ الفلسفة» ل«لوك فيري». وفي الرواية، إضافة الى رواية «الطلياني» التي دخلت القائمة القصيرة للبوكر، أصدرنا رواية بولغاكوف «المعلم ومارغريتا» في طبعة كاملة مع هوامش وشروحات ضرورية لفهمها، وكذلك رائعة أوسكار وايلد «صورة دوريان غراي» وايضاً ترجمة جديدة أنجزها الحارث النبهان لرائعة جورج أورويل «1984»، و«الشياطين» لدوستويفسكي من ترجمة سامي الدروبي. ورواية «ستيمر بوينت». كما أصدرنا لكتاب سعوديين: «العشق والجنون» للدكتور سعيد السريحي، وسجالات الدين والتغيير في السعودية» للدكتور توفيق السيف، وأعدنا طبع ديوانَيْ الشاعر علي بافقيه. أخيراً نتطلع لأن تفسح إدارة المعرض مكاناً أوسع لدور النشر التي تنتج كتباً جديدة تتميز بقيمتها المعرفية والإبداعيّة؟