نيران مشتعلة، أدخنة ملتهبة وأفواه فاغرة من فرط الصدمة. إجهاض! قتل نفس! اغتصاب! زنا! كل هذه الكلمات التي أثيرت في تلك الجلسة النيابية كانت كفيلة بقلب الدنيا رأساً على عقب. إتاحة حق الإجهاض للمرأة أو الفتاة المغتصبة حديث ملغوم من ألفه إلى يائه، لا سيما في ظل مظاهر التشدد الديني الذي يسري في بعض أرجاء المجتمع المصري، حتى ولو كان سرياناً ظاهرياً أكثر منه باطنياً. ثم ان الحركات الحقوقية التي «تسري» في شكل حثيث في أرجاء أخرى، تقف على طرف نقيض، وتعمل بحرص وتأنٍ وحذر. الأسبوع الماضي، أعيد فتح ملف حق المغتصبة في الإجهاض من خلال مطالبة «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» و «مؤسسة المرأة الجديدة»، وهما منظمتان حقوقيتان، بسرعة مناقشة مشروع قانون يمنح المرأة المغتصبة الحق في الإجهاض القانوني والآمن، وإقراره. ولا يتوقّف تحرك المنظمتين هنا، فهما شددتا على ضرورة وضع قانون «إجهاض المغتصبات» على رأس أولويات مجلس الشعب (البرلمان) المصري، في دورته التي بدأت قبل أيام. مشروع القانون الذي أشارت إليه المنظمتان عمره سنتان. ففي 26 كانون الأول (ديسمبر) 2007، تقدم النائب محمد خليل قويطة به للمناقشة والإقرار، لكنه جمّد. رئيسة وحدة الحملات في «مؤسسة المرأة الجديدة» منى عزت قالت إن مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر وافق على مشروع القانون بعد هذا التاريخ بأربعة أيام فقط، كما وافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى في البرلمان في نيسان (أبريل) 2008، وأحالته على لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية، ثم جُمّد. وأضافت: «نحن نطالب رئيس مجلس الشعب بتقديم توضيح حول سبب تجميد المشروع في أدراج اللجنة حتى هذا اليوم». وكان قويطة أكد، وقتذاك، أن الاقتراح «لا تستفيد منه إلا الأنثى التي ثبت على وجه قاطع ويقيني أنها اغتصبت عنوة وكرهاً، من دون أن تكون لها أي إرادة أو اختيار، وأنها ظلت تكافح وتناضل من أجل الحفاظ على أعز ما تملك». وأضاف أن «جريمة خطف الأنثى واغتصابها من أخطر الجرائم التي تلحق بالمجتمع، تفرض على الأنثى أموراً غير مشروعة. ومن واجب المجتمع أن يزيل عنها الإكراه الذي فرضته عليها ظروف تلك الجريمة، بحيث يصبح من حقها أن تفرغ أحشاءها من الجنين الذي تكوّن من تلك النطفة الملوّثة بالدنس». هذا «الدنس» هو ما دعا أيضاً شيخ الأزهر حينذاك إلى تأكيد الحق الشرعي للفتاة أو المرأة التي تتعرض للاغتصاب في أن تجهض نفسها في أي وقت، عندما يتبين أنها حامل، مشيراً إلى أنها «لا تتحمل أي وزر إزاء تخلصها من ثمرة هذه الجريمة الوحشية، ولا تعتبر - بأي حال من الأحوال - قاتلة للنفس التي حرّم الله تعالى قتلها إلا بالحق». لكن «الحق» مفهوم يبقى خاضعاً لنظرية النسبية، فما هو «حق» لدى بعضهم، يُعتبر «جريمة» في عرف البعض الآخر. فجانب غير قليل من علماء الأزهر رأى «عدم جواز علاج مشكلة (الاغتصاب) بمشكلة أكبر (الإجهاض)»، مؤكدين أن «تحليل الحرام شرعاً لن يحل العيب والعجز الموجودين في الأجهزة المعنية بحماية الفتيات في الشوراع والبيوت». لكن عجز الأجهزة المعنية بالحماية، والمصحوب بمنع الإجهاض، تعتبره الباحثة في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، الدكتورة داليا عبدالحميد، «فشلاً مزدوجاً لأجهزة الدولة». وتقول: «قرار حق النساء في اختيار إنهاء الحمل الناتج من تعرضهن للاغتصاب ضرورة إنسانية، قبل أن يكون مبدأ حقوقياً». وتوضح أن «اجهزة الدولة فشلت في حماية النساء من جريمة الاغتصاب البشعة، ثم فشلت مجدداً في الحفاظ على كرامتهن وصحتهن النفسية والجسدية، بمنحهن الحق في إنهاء هذا الحمل الناجم عن الجريمة. وهذا فشل مزدوج». وكان الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أشار إلى أن النسبة الأكبر من حوادث التحرش والاغتصاب والعلاقات المحرمة تحدث للفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 18 و35 سنة، وأن 68 في المئة منها تُكتشف بعد حصول حمل، و14 في المئة بعد الإنجاب.