مصرع ما لا يقل عن 143 شخصًا في حريق قارب بالكونغو الديمقراطية    سانتوس جيزان يتغلب على ترجي الحقو بخماسية في ثاني أيام بطولة الأبطال بملعب بلدية صبيا    صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثالثة ل 115 مقيمًا لتبرعهم بالدم عشر مرات    الجيش الأمريكي يقرر تقليص عدد قواته في سوريا إلى أقل من ألف    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الفوز على الفيحاء    يايسله يتغنى في الأهلي بعد اكتساح الفيحاء    القصيم تحتفل باليوم العالمي للتراث    لاندو نوريس يتصدر التجارب الثانية بجدة وتسونودا يتعرض لحادث    انتهاء مهلة تخفيض المخالفات المرورية بنسبة (50%) وعودتها إلى قيمتها الأساسية    انطلاق البرنامج التدريبي والتأهيلي ل "هاكثون التحوّل"    السعودية تنهى مشاركتها في ألعاب القوى الآسيوية ب"5″ ميداليات    «سلمان للإغاثة» يختتم الأعمال المتعلقة بتوزيع الأبقار على أمهات الأيتام والأرامل بسوريا    القادسية يكسب النصر بثنائية في دوري روشن للمحترفين    المملكة تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    القبض على 4 يمنيين بمكة لارتكابهم عمليات نصب واحتيال بنشر إعلانات حملات حج وهمية    عبدالله السلوم البهلال مدير تعليم عسير الأسبق في ذمة الله    إنتر ميلان يعلن إصابة مهاجمه قبل مواجهة برشلونة المرتقبة        قطاع وادي بن هشبل الصحي يُفعّل عدداً من الفعاليات    بلدية البصر تطرح فرصة استثمارية في مجال أنشطة الخدمات العامة    جمعية المودة تدشّن "وحدة سامي الجفالي للتكامل الحسي"    وزارة التعليم تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية القيادات الكشفية    القائد الكشفي محمد بن سعد العمري: مسيرة عطاء وقيادة ملهمة    محافظ الطائف يستقبل مدير عام الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    صيد سمك الحريد بجزر فرسان .. موروث شعبي ومناسبة سعيدة يحتفي بها الأهالي منذ مئات السنين    ٢٤ ألف زائر وأكثر من 4 آلاف اتفاقية في منتدى العمرة    إدارة الأمن السيبراني بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف تحصل على شهادة الآيزو    «حرس الحدود» بينبع يحبط تهريب (3.6) كجم "حشيش"    نائب أمير الشرقية يعزي أسرة الثميري في وفاة والدتهم    خطباء المملكة الإسراف في الموائد منكر وكسر لقلوب الفقراء والمساكين    وفاة الفنان المصري سليمان عيد إثر تعرضه ل"أزمة قلبية"    إمام المسجد الحرام: الدنيا دار ابتلاء والموت قادم لا محالة فاستعدوا بالعمل الصالح    وزارة الرياضة ومجمع الملك سلمان للغة العربية يطلقان "معجم المصطلحات الرياضية"    إمام المسجد النبوي: التوحيد غاية الخلق وروح الإسلام وأساس قبول الأعمال    خالد بن محمد بن زايد يشهد حفل افتتاح متحف "تيم لاب فينومينا أبوظبي" للفنون الرقمية في المنطقة الثقافية في السعديات    تعاون بناء بين جامعة عفت واتحاد الفنانين العرب    محافظ صامطة يلتقي قادة جمعيات تخصصية لتفعيل مبادرات تنموية تخدم المجتمع    جامعة شقراء تنظم اليوم العالمي للمختبرات الطبية في سوق حليوة التراثي    إعاقة الطلاب السمعية تفوق البصرية    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "التعليم" تدشن مشروع المدارس المركزية    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال الكتابة كما تطرحه أزهار أحمد
نشر في الحياة يوم 19 - 11 - 2009

سؤال الكتابة هو الهاجس الذي يطغى على رواية «العصفور الأول» للكاتبة العمانية أزهار أحمد (منشورات الجمل)؛ فتتساءل في رأس الفصل الأول على لسان الراوي: «كيف أكتب كلمات كالموسيقى، كأصوات العصافير، أو حتى كنقيق الضفادع؟» (ص7)، وتختم الفصل الأخير بأن يفتح الراوي المريض عينيه في المستشفى، ويشير الى كومة أوراق الى جانب السرير تحمل اسم الرواية نفسه (ص175).
وبين البداية والختام، وعلى مدى ستة عشر فصلاً تحضر الكتابة، بما هي أسئلة وهواجس وأحلام ومركب صعب وطموح مرَضي وحالة نفسية، من خلال الشخصيات والأحداث، لكن هذا الحضور يقترن بضريبة كبيرة يدفعها بطل الرواية في مراحل متدرجة، متعاقبة، تبدأ بالقلق الفني الطبيعي، وتمرُّ بالسفر والتشرّد والمرض، وتنتهي بالاضطراب النفسي.
فهل تريد الكاتبة أن تقول ان هذا الثمن هو الممر الإلزامي للكتابة؟ وهل التجربة شرط ضروري للإبداع؟ وهل ما يتمخّض عن التجربة يشكِّل بالضرورة نصاًّ ابداعياًّ؟
هذه الأسئلة وسواها من هواجس الكتابة تطرحها الرواية مباشرة من خلال الشخصيات الروائية أو مداورة من خلال الأحداث. وهي هواجس الروائية والراوي الذي تصطنعه وتتماهى به أو تتقاطع معه؛ فكلاهما يكتب القصة والرواية، وكلاهما يسمّي روايته ب «العصفور الأول».
ومع هذا، لا بدّ أنهما يفترقان في أمور كثيرة أحدها الجنس على الأقل. واصطناع راوٍ أو أكثر يتقاطع معه الروائي فيبثّ من خلاله أفكاره ورؤاه أو يفترق عنه للتمويه والإيحاء باستقلالية الرواية عن صاحبها لهو من الأمور المشروعة في الفن الروائي.
تتخذ أزهار أحمد من مقرن النوري الراوي الأساسي في روايتها، تقول على لسانه، ومن خلال انخراطه في شبكة من العلاقات الروائية، وحركته في المكان والزمان، الثمن الكبير المفترض دفعه ليصبح الواحد كاتباً. فمقرن طالب في كلية الزراعة، يعيش اختناقات داخلية يحاول التنفيس عنها بكتابة القصة، ويشغله سؤال: كيف أصبح كاتباً فذاًّ؟ كيف أكتب كتاباً يبهر العالم؟
غير أن تعثّر بداياته يدفعه الى التوقّف عن الكتابة مؤقّتاً، حتى إذا ما التقى بمالك، صديقه الصحفي، يشجعه على الكتابة، ويعبّر عن إيمانه بموهبته شرط أن يعيش الحياة، ويتألّم، ويتعذّب، ويعاني، ويتخلّى عن حياة الدعة والأناقة ليبدع. وعملاً بهذه النصيحة، وتحقيقاً لحلمه الكبير، يبيع مقرن قسماً من مقتنياته، ويطلب إجازة من عمله، ويضع مخطّطاً للسفر حول الأرض بدءاً من الهند، ويعيش مخاضاً عسيراً، يبدأ بالهجرة، وينتهي بسرير في مستشفى.
تقدّم أزهار أحمد، من خلال راويها، صورة غير واقعية للكاتب المتطلّع الى تحقيق ذاته؛ فمقرن النوري يحلم بكتابة تنير العالم. ولتحقيق هذا الحلم، يخوض مخاضاً عسيراً، فيتخلّى عن مقتنياته ووظيفته، ويدشّن رحلة حول الأرض بدءاً من الهند بهدف عيش التجربة واكتناز الخبرات الضرورية للكتابة، لكن ما يطالعه من مشاهد الفقر والبؤس والجوع في المدن الهندية يشكّل صدمة له تعقل قلمه عن الكتابة، ولم يكن ليخفّف من صدمته سوى مرافقة أنيتا له ، الفتاة الهندية ذات الأسنان البيضاء، حتى اذا ما غادرته كي لا تقع في حبّ رجل غريب تكون بداية التحوّل في مسار هذه الشخصية ومصيرها، فيعرف مقرن سلسلة من الاختبارات الصعبة؛ يتشرّد، يفقد الذاكرة، يسقط مغشياًّ عليه، يمرض وتجرى له عملية جراحية، يُصاب بمرض نفسي واختلال سلوكي، يخلط الواقع بالمتخيّل، يتوجّس من المحيطين به ويظنّ بهم السوء، لكن المفارقة التي تنتهي بها الرواية هي أنه عندما يستيقظ من غيبوبته في المستشفى، بعد عودته الى بلاده، تكون قرب سريره كومة من الأوراق تحمل اسم الرواية «العصفور الأول» ما يشي أن رحلة الألم التي باشرها تمخّضت عن كتابة حفظت معالم الرحلة ببعديها الخارجي في المكان، والداخلي في شخصية الراوي. ولعل الكاتبة أرادت أن تقول أن التجربة القاسية شرط للإبداع على أنواعه. وهنا نتساءل: هل من الضروري أن يُجنّ الكاتب ليكون كاتباً؟ ان مجريات الأحداث في الرواية تعكس حالة خاصّة، متفرّدة، ولا تعبّر بالضرورة عن واقع الحال، فالمرض النفسي والاضطراب السلوكي ليسا الممر الإلزامي لكتابة تنير العالم كما حلم الراوي.
واذا كانت الشخصية الأساسية في الرواية هي شخصية قلقة، مضطربة، غريبة الأطوار، تنقطع عن الواقع، وتعيش فصاماً داخلياًّ، وتخترع عالمها الخاص وتؤثّثه بشخصيات من الخشب، فانّ الشخصيات المحيطة بهذه الشخصية المضطربة كانت واقعية ولعبت أدواراً إيجابية في حياة الشخصية الرئيسية الأمر الذي لم تتمكّن هذه الأخيرة من استيعابه بتأثير من اضطرابها الفكري والسلوكي.
في هذا المعنى، قدّمت أزهار أحمد في «العصفور الأول» مقاربة غير واقعية لموضوعة الكتابة، من خلال راويها المصطنع، وهذا حقّها. والفن سواءٌ أكان روائياًّ أو خلاف ذلك ليس حكراً على العامّ، المشترك، الواقعي، بل قد يدخل الخاص، المفارق، المختلف، في مجاله الحيوي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.