تصدّر «القلق الحقيقي» الذي يساور القيادة العسكرية في الدولة العبرية من اتساع رقعة احتجاج الجنود الإسرائيليين المحسوبين على التيار الصهيوني المتدين على إخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية، اهتمامات الساحتين السياسية والحزبية في إسرائيل. واستأثر الموضوع بعناوين وسائل الإعلام، في أعقاب قيام ستة من جنود كتيبة «نحشون» التابعة ل «لواء كفير» المكلف المهمات الأمنية في مستوطنات الضفة الغربية، أول من أمس، برفع لافتة فوق مبنى غير شرعي أخلته الشرطة الإسرائيلية قرب مستوطنة جنوب مدينة الخليل المحتلة أعلنوا فيها رفض الكتيبة إخلاء البؤر. وأعاد هذا السلوك إلى الواجهة احتجاجاً سابقاً مماثلاً لجنود من وحدة «شمشون» قبل نحو شهر أعلنوا أنهم لن يشاركوا في إخلاء بؤر استيطانية وأن تفكيك مستوطنات شمال الضفة الغربية في عام 2005 في إطار خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، كان خطوة غير صحيحة. وسارعت المحكمة العسكرية التابعة لقيادة «المنطقة الوسطى» في الجيش الإسرائيلي إلى فرض عقوبة السجن العسكري على أربعة من الجنود الستة الذين رفعوا اللافتة أول من أمس، وحكمت على الآخرين بالتزام قاعدتهما العسكرية لفترة معينة من دون السماح لهما بالخروج في إجازة. والمشترك في الحالين هو أن المحتجين كانوا من الجنود الذين يعتمرون الطاقية الدينية ويدرسون في كليات دينية خاصة يموّلها الجيش وتتمتع بامتيازات خاصة في كل ما يتعلق بالخدمة العسكرية، مثل منح تلاميذها إعفاء من الخدمة الإلزامية لنصف الفترة المقررة. واتهمت أوساط عسكرية وسياسية حاخامات هذه المدارس بتحريض الجنود التلاميذ على الاحتجاج ورفض الانصياع للأوامر العسكرية. ونقلت صحف عن مسؤولين عسكريين مخاوفهم من أن تقود هذه الظاهرة إلى فوضى عارمة وإلى عصيان حقيقي ورأوا أن العقوبة التي تفرض على المتمردين لا تردعهم، فضلاً عن أن منظمة يهودية دينية متشددة أعلنت أنها ستكافئ كل جندي يرفض الأوامر بمبالغ مالية كبيرة. وطالب النائب من حزب «العمل» ايتان كابل رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية بعقد جلسة طارئة «للبحث في هذه الظاهرة الخطيرة التي تتعارض والمبادئ الأساسية التي يعتمدها أي جيش في نظام ديموقراطي وتلزم الجنود بالانصياع للأوامر مهما تكن مواقفهم الشخصية». وطالب القيادة العسكرية بالتعامل مع هذه الاحتجاجات بقبضة من حديد «إذ لا يمكن تحويل الجيش الإسرائيلي إلى كتائب». واتهم القائد السابق ل «المنطقة الوسطى» في الجيش الميجر جنرال احتياط يئير نافيه المؤسسات الرسمية في صفوف المستوطنين بأنها «تمتنع عن مواجهة الجهات المتطرفة». وأضاف أن اتساع ظاهرة الاحتجاج يعرض إلى الخطر «القيم الأساسية التي يعتمد عليها الجيش». وقال إن من شأن هذه الظاهرة «جلب الخراب على الجيش ما لم يوضع حد لرفض الأوامر». من جهته، دعا الناطق باسم المعاهد الدينية العسكرية الحاخام دافيد ستاف قيادة الجيش إلى «التصدي بحزم للجنود الذين عبروا عن مواقف سياسية». وقال إنه «لا يمكن تحويل الجيش إلى مسرح للسجال السياسي وعلى الجنود الانصياع للأوامر»، معتبراً التظاهرات السياسية للجنود أثناء أدائهم الخدمة «ظاهرة مقلقة». وكتب المعلِّق العسكري في «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان محذراً من أن عدم استئصال هذه الظاهرة سيكلف الجيش ثمناً باهظاً. وأضاف أنه ينبغي على رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غابي أشكنازي التحرك فوراً لوضع حد للفوضى السائدة في مستوطنات الضفة الغربية، «وحماية الجيش من التدهور في منزلق خطر نحو التسييس... يجب عليه أن يضع حداً لذلك حتى إن تطلب الأمر إجراءات فظة، وهذا أفضل من العصيان السياسي الذي يلوح في الأفق». وحذر رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو من أن ظاهرة الرفض والعصيان «ستؤدي إلى انهيار الدولة... لا مكان لها هنا وسنعمل كل شيء من أجل القضاء عليها». وقال إن «الجيش الإسرائيلي يقوم على التراتبية في القيادة... ومن يريد إلغاء الجيش يعمل على تشجيع العصيان، ما من شأنه أن يعرض الدولة إلى الانهيار. ولن نسمح بذلك بأي شكل من الأشكال. إننا نعيش على الجيش، والجيش يقوم على الحق في إعطاء الأوامر والحق في تنفيذها». من جهته، قال رئيس هيئة أركان الجيش الجنرال غابي أشكنازي إن الجيش «يتعامل بقبضة متشددة في معالجة الظاهرة».