يخلع وائل قميصه المدرسي ليطويه ويضعه في حقيبته ثم يستريح على مقعد في حديقة «السبكي» وسط دمشق، ويطلب من صديقه الذهاب إلى محل قريب لشراء سندويشات لهما ريثما يجري هو مكالمة هاتفية من جواله ليحجز مكاناً في مقهى الانترنت الذي يرتادانه برفقة بعض الأصدقاء. وائل ومحمد شابان يفترض أنهما من طلاب الثانوية، لكن على عكس زملائهم يمضي هذان الشابان ساعات الدوام المدرسي خارج المدرسة. يقول وائل مستخفاً بما يفعله: «لا يحدث هذا كل يوم، فقط عندما نتشاجر مع الأستاذ أو مراقب الدوام»، ثم يضيف صديقه محمد موضحاً عدد المرات التي يقع فيها هذا الشجار فيؤدي إلى هروبهما من المدرسة: «يعني... بمعدل مرتين في الأسبوع». ويحاول الشابان إيجاد مبررات لهروبهما من المدرسة تتمثل بإلقاء اللوم على قسوة الأساتذة والإداريين الذين لا يتوانون عن عقاب من يتأخر عن المدرسة صباحاً. ويقول محمد: «يبدأ الدوام في مدرستنا في الساعة السابعة والنصف صباحاً أي بوقت مبكر يسبق بقية المدارس بنصف ساعة، ونعاني من مشكلة ازدحام المواصلات فنصل متأخرين إلا أن الأساتذة والإداريين يرفضون قبول أعذارنا فنتلقى التوبيخ أمام زملائنا». ويتابع: «لذا اخترنا اليوم أن نختصر الجدل وخرجنا من المدرسة لكن بالطبع لا يمكننا الذهاب إلى البيت مباشرة كي لا يكتشف أهلنا الأمر ويبدأون هم أيضاً بتوبيخنا، جئنا إلى الحديقة نستريح قليلاً ونتناول فطورنا، ثم سنذهب إلى مقهى الانترنت لنمضي بعض الوقت ريثما يحين وقت عودة الطلاب من المدرسة فنرجع إلى البيت من دون أن يلاحظ أهلنا ما حدث». أما في حال اتصل المدير أو مراقب الدوام بأسرة الشابين، فعندها سيكون الوضع «اضطرارياً» كما يقولان لأنهما سيضطران إلى خلق مزيد من الحجج والذرائع غير التأخر الصباحي لإقناع الوالدين بحقهما في الخروج من المدرسة. واللافت أن وائل ومحمد يشكلان نموذجاً عن حالة أشمل خصوصاً بين تلامذة الفروع المهنية. ويعتبر عامل صرامة الجو المدرسي في مقدم الأسباب التي تدفع الطلاب للهروب من الصفوف كما تقول ميساء جورية، وهي تعمل مرشدة اجتماعية في مدرسة للتعليم الثانوي المهني للذكور. وتوضح ميساء وجهة نظرها فتقول: «الصرامة المفرطة والتوبيخ العلني لتلامذة مراهقين يدفعهم للهروب من المدرسة». وتشير الى مشكلة مزدوجة ففي الوقت نفسه إذا تبين أن إدارة المدرسة وأساتذتها متساهلون، ولا يفرضون النظام والانضباط الذي ينبغي على الطلاب التقيد به «سيكون ذلك أيضاً سبباً يدفعهم للهروب من المدرسة بحجة أن بإمكانهم متابعة الدروس والمذاكرة وحدهم في المنزل». وتفيد الاختصاصية أن ثمة أسباباً أخرى وراء المشكلة منها رفاق السوء أو ما يسمى ب «الشللية»، الذين يتأثر بهم بعض المراهقين فيقلدون سلوكياتهم السلبية مثل الهروب من المدرسة والتدخين، إضافة الى عوامل أخرى تتعلق بالأهل وشخصية التلميذ. وتقول: «ينعكس جو الأسرة وانتظاراتها من ابنها على أدائه التعليمي والتزامه بالقواعد. فالنظرة الدونية من قبل الأهل أو المجتمع للتعليم المهني تدفع التلامذة إلى إهمال الدوام ومتابعة الدراسة لذلك نجد أن نسبة هروب الطلاب في المدارس المهنية أكبر منها في مدارس التعليم الثانوي العام، وفي المقابل فإن طموح الأهل الكبير الذي قد لا يتناسب مع قدرات الطالب كإجباره مثلاً على دخول الفرع العلمي من دون رغبته يدفعه للهروب أيضاً». ويلجأ الطلاب إلى أساليب عدة للهروب من المدرسة منها القفز عن سور المدرسة أو التأخر الصباحي ثم الانسحاب من الدوام بعد وصولهم إلى باب المدرسة لتلافي وقوع العقوبات التي يفرضها الإداريون على المتأخرين، أو حتى التغيب في شكل كامل كأن يدعي الطالب أنه ذاهب للمدرسة بينما هو يذهب إلى أماكن أخرى مثل بيت أحد الأصدقاء، أو إلى دور السينما ومقاهي الانترنت التي تستقطب النسبة الأكبر من الهاربين. وعلى رغم أن الإداريين في المدارس يفرضون على الطلاب الذين يكتشف تأخرهم أو هروبهم عقوبات أقلها كتابة تعهد خطي بعدم تكرار ذلك أو الاتصال بأولياء الأمور وإحضارهم، فان هذه العقوبات لا تنفع أحياناً لأنها تدفع الطالب إلى المغامرة والتحايل مرة أخرى متفادياً أن يصل الخبر إلى والديه.