إذا كانت بعض المساجد السعودية أيام الأزمات التي تمر بالعالم الإسلامي والعربي، تصدح بأدعية القنوت في الصلوات الجهرية دون انتظار إذن من وزارة الشؤون الإسلامية، فإن المتابعين تفاجؤوا باختفاء الأكف الملتهبة بالحماسة مع اعتداء الحوثيين على الأراضي السعودية. على رغم أن موقف العلماء السعوديين تجاه اعتداءات الحوثيين كان متفقاً في تجريم الفعل، ووصم من قام به ب«الظلمة»، إذ لم تشهد الساحة الشرعية تبايناً أو تصادماً، إلا أن ذلك لم ينعكس بشكل واضح على الساحة المحلية، في رفع معنوياتهم والاصطفاف مع المقاتلين في الثغور. يقول الأكاديمي في جامعة الإمام محمد بن سعود الدكتور زيد الغنام: «لا يجادل أحد في أن ما يقوم به الحوثيون هو من الاعتداء الباطل، ومن عدل الإسلام أن أجاز للإنسان أن يأخذ حقه، إذا أعتدي عليه». في جميع الأزمات تلتزم الوزارة الصمت، دون سماح بالدعاء أو منع له، إلا أن المساجد التي لا تأبه لإذن الوزارة لاذت هي الأخرى بالصمت، فمن كان يدعو من أئمة المساجد للمسلمين في العراق أو فلسطين أو أفغانستان دون إذن من الوزارة، لم يدع لأبناء الوطن في الأراضي الجنوبية، وهذا ما أثار حفيظة الناس. الحماسة الدينية تبلغ ذروتها في أوقات الأزمات والمحن الإسلامية والعربية، وتظهر بوجه الخصوص في خُطب تلهب العواطف، وتذرف الدموع، وربما تدر الأموال، وترخص النفوس، إلا أن المنابر الخطباء كانت كما هي في دعائها المعتاد بأن ينصر الله المسلمين في كل مكان، دون تخصيص لأهالي جازان. رئيس قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العيد علّق حول مطالبة البعض بالقنوت لهم في المساجد، قائلاً: «الأمر متروك في هذه المسألة إلى ولي الأمر، هو من يحدد ومن يأذن بالقنوت». إلا أن هذا الرأي لم يرق لبعض الكتّاب، إذ يذكر بعضهم أنه حينما انطلق أول صاروخ إسرائيلي على غزة هبّت المساجد بالقنوت لحركة حماس، ولكن حينما قُتل رجال الأمن في الجنوب بسلاح الحوثيين لم نسمع أن إمام مسجد قام بالقنوت للجيش السعودي! في حين لم ينتظر أحد من الناس تعميماً من الوزارة بل قاموا بالقنوت انطلاقاً من تعاطف وجداني ذاتي، متسائلاً: لماذا غاب التعاطف مع الجيش السعودي عن المساجد؟