أرجعت الفنانة التشكيلية غادة الحسن نجاحها المتكرر وحصدها للكثير من الجوائز إلى «أن لكل مجتهد نصيباً»، مشيرة إلى أنها تعمل «بدأب من دون اعتبار للفوز أو الخسارة» ونفت أن يكون «الفوز مقياساً دقيقاً على مدى الإبداع الفني لدى الفنان». فالمسألة تخضع لعدد من العوامل الأخرى، مثل لجنة التحكيم، ومقاييسها، وأسسها، وذائقتها، معتبرة أن «أكثر فائدة يمكن أن يجنيها المبدع من فوزه في المسابقات، هي تسليط الضوء على تجربته» ولفت الأنظار إليها». وقالت ل»الحياة» على هامش معرضها «هنا منذ الأزل» الذي أقيم أخيراً في الدمام، وتحدث فيه الناقد محمد العباس والناقدة سماهر الضامن حول تجربتها الجديدة، متحسرة على حماسة الفنانين وعقدهم الآمال، إثر قرار إنشاء جمعية التشكيليين السعوديين: «إننا نسيناها مع مرور الوقت، وبطء الحركة»، راجية أن تغدو الجمعية «أكثر فاعلية، ولا سيما بعد توافر الموقع». ورجحت أن تكون من «القلة التي لا تزال تأمل في الجمعية خيراً»، لافتة إلى أن «ردات الفعل التي أجدها من كثير من الزملاء تجاه الجمعية، تبدو محبطة تماماً». وأرجعت الحسن سبب تسمية معرضها الشخصي الأول ب»هنا منذ الأزل»، إلى «ارتباطها الوثيق في المكان الذي أعيش فيه، وارتباطي في الوقت نفسه بجذوري الممتدة منذ آلاف السنين... وليدل على المكان والزمان في الوقت نفسه». وذكرت أن المعرض تضمن «بحسب العدّ التسلسلي 107 لوحة، لكنه في الواقع ضم 164 قطعة، إذ كل قطعة تمثل عملاً فنياً متكاملاً بغض النظر عن حجمها»، مشيرة إلى أن «معالجة السطوح الثابتة للوحات من طريق العجائن، وتقنيات البناء المضاعف وإنشاء العمل، وكذلك استعمال تقنية الكولاج على بعض السطوح الثابتة وغير الثابتة، أتاحا لها تعدد في خيارات تنفيذ الفكرة التي أعمل عليها». وأكدت أن «الفنان لم يعد يقتصر في اشتغاله على العمل الفني على خامة واحدة، إنما أصبحت اللوحة، مسرحاً لعدد من الخامات والألوان المختلفة، مثل: العجائن، وألوان الأكريلك، والزيت، وأقلام الخشب، والتي تشتغل عليها جملة واحدة في معظم الأوقات». وتوقفت الحسن عند عدم تسمية لوحاتها وقالت إنها: «تولد من دون أسماء، وتبقى كذلك إلى أن تقرر إشراكها في معرض، أو مسابقة تشترط إطلاق مسميات عليها». واعترفت بأنها تواجه مشقة في التسمية، كما ترى فيها «تضييقاً لرؤية المتلقي وحصره في زاوية، محدودية الاسم، وتحليل العمل وفق ذلك»، موضحة أنها وإن اختارت اسماً ينفتح على فضاءات واسعة، بيد أنها تصطدم ب»الأمر نفسه»، مدللة أن لوحتها «رؤى» والتي فازت في مسابقة تشكيليات المملكة الرابع، فوجئت بأحد النقاد يرتكز في تحليله لها على مسماها، ويفسرها ب «أحلام»، متناسياً أن لمفردة «رؤى» دلالات لغوية عدة». «هنا منذ الأزل» ... ينفتح على التساؤلات وصف الفنان التشكيلي عبدالعظيم شلي معرض «هنا منذ الأزل» في ورقة قدمها بأنه «زاخر بقيم جمالية وذائقة بصرية تستحق التأمل والاستقراء»، متابعاً أن «عالم لوحاتها يحمل في طياته دلالات ومعاني كثيرة». وقال: «تقدم الفنانة عنصراً موحداً متشابهاً في ملامحه وسحنته يتكرر في معظم أعمالها بصيغ مختلفة من التراكيب التكوينية وبأحجام متباينة، هو شخص منكفئ على ذاته يقابله أحياناً الآخر، قد يكون صداه، ظله، انعكاسه، صديقه، أو شريك عمره!»، معتبراً أن «ثمة تأويلات تتقاطع وتتمحور حول بنية الشكل، والبعض يقول إنهما آدم وحواء والعلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، وراح آخر يفسر اقتلاع الأفواه برمزية الخوف من حال الإغواء الأولى والطرد من الفردوس المفقود، خوف توارثناه، تسلل إلى جيناتنا، إذ بتنا نخاف الخوف نفسه خشية المجهول، تساؤلات مبطنة بالتردد، هل الفم فتنة أم عورة، بحسب بعض المعتقدات سارية المفعول، وللرجال الزرق نصيب في هذا المفهوم رؤيته عارٍ، إذاً فمن الواجب إخفاؤه أو ستره على رغم وظيفته البيولوجية والجمالية»، معرباً عن دهشته «هل الفم منجم للأسرار الغامضة والساحرة فيجب عدم الإفشاء فيه رسماً!». وقال: «تقودنا غادة في معرضها الشخصي الأول إلى التساؤلات المفتوحة والإجابات الضنية حول مصير إنسانها الذي غيبت ملامحه، واستقر عند حدود معينة، الرأس والرقبة والكتفين هو أقرب إلى صفة البورتريه! وأي بوتريه هذا! إنه ليس ما تعارفت عليه العين من إبراز للتفاصيل ومقاسات النسب، ولكنه شكل نحتته من أديم الأرض، وكأنه نبتة برية يطل علينا برأسه وعنقه فقط، بينما الأكتاف تحاول جاهدة أن تجد لها متنفساً أكثر، لكنها لم تستطع الخروج أبعد من ذلك، حدوده مرسومة عند نقاط معينة، النقطة وما أدراك ما النقطة، يقول الفنان العراقي شاكر حسن آل سعيد في تعاريف النقطة في ثلاثة حقول في الثقافة العربية، وكلها تعتبر النقطة أزلاً لكل تعبير يتجسد من خلال الحرف العربي، وأن النقطة عند الصوفيين كانت كما يصفها الحلاج «أزلاً لكل شيء» وأخيراً فإن النقطة عند إخوان الصفا ليست إلا أزلاً للخط الذي هو البعد الواحد الذي يشكل أزل السطح، البعدين، وهما بدورهما يكونان أزلاً للحجم، أي الأبعاد الثلاثة. نقاط تُبقي ثلاثة أرباع الجسد مطمورا في جوف التربة، يحاول الطير عبثاً أن يخرجه من وحدته من غربته على إيقاع الوجد يلتحم الاثنان في المصير ذاته يتبادلان الحلم، فينتصب الجسد. ووصف إنسان غادة في أنه «ينزاح من مكمنه يمنة ويسرى، كاسراً رتابة التوازن الفني، مساحة شبه خاوية إلا من نتوءات وتقميشات جدارية سابحة في الفراغ الذي يصبح له أكثر من معنى، الكتلة تتحرك عبر ترادف اللوحات بأحجامها المختلفة، حراك بلا خطوات لماذا؟