شغلت منصب رئيسة وزراء، وعيّنت وزيرة للإسكان والصحة والعمل، وكانت أستاذة جامعية في قسم العلوم السياسية، ثم أصبحت على رأس إحدى أبرز المنظمات التابعة للأمم المتحدة، ولكنها في كل الأحوال، وعلى رغم قوة شخصيتها والكاريزما العالية التي تتمتع بها، امرأة أنيقة وجميلة وشديدة العناية بمظهرها، وفوق كل ذلك تتمتع بروح دعابة واضحة. السيدة هيلين كلارك هي رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، ومديرة برنامج الأممالمتحدة الإنمائي الحالية، تحمل في جعبتها أكثر من كرة: تنمية، وبيئة، ومحاربة فقر وجوع، وحقوق المرأة، وغيرها كثير. حملت جعبتها وزارت القاهرة أخيراً حيث التقتها «الحياة». حديث التنمية والمرأة يشكلان الجانب الأكبر من تفكيرها واهتمامها. «الحماية الاجتماعية» عبارة تردَّدت غير مرة أثناء اللقاء. فاتخاذ خطوات اقتصادية إصلاحية يجب أن تصحبه خطوات حماية اجتماعية للفئات الأكثر ضعفاً، سواء كان للفقراء، أو للنساء، أو للأطفال. لكن «الحماية الاجتماعية» ليست كبسولة يمكن للجميع أن يبتلعها، فهي فكرة تحتمل الكثير من الاجتهاد، فكما تؤكد كلارك «لكل مجتمع مواصفاته ومفرداته الخاصة التي تستوجب شكلاً مختلفاً من أشكال الحماية للفئات الأكثر ضعفاً فيه. حتى في المنطقة العربية، هناك الكثير من الفروق بين الدول وفي داخل الدول نفسها». ويبدو أن المرأة العربية ما زالت هي العامل القادر على توحيد التقويم العربي، فقضايا الجندر العربية «ما زالت تحتاج إلى المزيد من الاهتمام». كلارك التي كان يستشهد باسمها ومنصبها رئيسة وزراء نيوزيلندا على مدى تسعة أعوام كاملة، وذلك من قبل الجماعات العربية المهتمة بوضع المرأة العربية وتمكينها السياسي، تؤكد أن المرأة العربية لا تختلف عن قرينتها الأوروبية أو النيوزيلندية أو أي امرأة أخرى خطت خطوات حثيثة على صعيد التمكين السياسي. تقول: «نظام الكوتا النسائية الذي سيعمل به في مصر في مجلس الشعب (البرلمان) أحد الحلول الجيدة لتمكين المرأة، ومساندتها حتى تتمكن من المضي قدماً على طريق السياسة وحدها، ومن دون تدخل أو مساندة. هي أشبه ب «التطبيع» السياسي للمرأة إلى أن تقف على قدميها. صحيح أنه في عالم مثالي، لا تحتاج المرأة إلى مثل هذه التدخلات، إلا أننا لا نعيش في عالم مثالي. وللعلم فإن دولاً عدة ممن تعد اليوم نموذجاً يحتذى في المشاركة السياسية للمرأة بدأت بتطبيق نظام الكوتا النسائية». لكن الحياة ليست كلها سياسة وكوتا، فالمثلث الذي تشير إليه كلارك تتكون أضلاعه من مناخ وفقر ومرأة، ف «الأفراد الأشد فقراً، هم الأقل قدرة على التصدي للكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ. والمعلوم أن المواطن الذي يعيش في إحدى الدول النامية معرض لأن يعاني من الكوارث المرتبطة بالمناخ بمعدل يزيد 79 ضعفاً عن مواطن الدولة المتقدمة. وتشير الدراسات مثلاً إلى أن معدل الالتحاق بالمدارس الابتدائية للنساء الهنديات اللاتي ولدن أثناء مواسم الجفاف أو الفيضانات في سبعينات القرن العشرين أقل بنسبة 19 في المئة مقارنة بالنساء من الفئة العمرية ذاتها واللاتي لم يتأثرن بالكوارث الطبيعية». وترى كلارك أن هناك حلقة مفرغة يجب الخروج منها، إذ إن المرأة التي لا تحصل على تعليم كافٍ لن تعاني فقط من قلة الحيلة في التكيّف مع تغير المناخ، بل سيقل أيضاً احتمال حصولها على مستوى كافٍ من الدخل والطعام والعناية الصحية والرعاية الجيدة للأطفال». حماستها للمرأة باعتبارها النقطة المحورية في عملية التنمية لا تفتر. تسكت برهة ثم تقول: «سبعون في المئة من المزارعين في قارة أفريقيا نساء، وإذا تمكنا من الارتقاء بهن اقتصادياً من بوابة التعليم، فإن الآثار الإيجابية ستتوالى على الجميع في عجلة التنمية». هي بالتأكيد امرأة صاحبة رؤيا. فتحت قيادتها لبلدها نيوزيلندا نجحت في تحقيق نمو اقتصادي تبرهنه لغة الأرقام، وخفضت سياساتها نسبة البطالة، وحققت زيادة غير مسبوقة في الاستثمار في التعليم والصحة، وفي تحقيق قدر أكبر من الرفاهية للأسر وكبار السن. فضاء آخر من النجاحات حققته بالتوصل إلى تسوية المشاكل والخلافات التاريخية مع السكان الأصليين لنيوزيلندا ووضع دعائم راسخة لمجتمع متعدِّد الثقافات والديانات. وعما تحلم أن تحققه في منصبها الحالي بعد مرور أربع سنوات، بدأت في نيسان (أبريل) الماضي، تقول: «أود أن يرتبط اسمي في هذا المنصب بالتركيز المطلق على موجة التنمية القادرة على رفع الجميع إلى أعلى، أي أن يتم رفع الفقراء بعيداً من خطوط الفقر التي يرزحون حولها وتحتها». كلارك حصلت من قبل على ألقاب عدة منها «أعظم نيوزيلندية على قيد الحياة» كما جاء اسمها ضمن أقوى 20 امرأة على وجه المعمورة، و«أول رئيسة وزراء لنيوزيلندا». فهل تسعى الى إضافة لقب جديد في مجال التنمية أوتخفيف حدة الفقر عند المرأة؟