لقي تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة سعد الحريري ترحيباً عربياً ودولياً وارتياحاً لدى اللبنانيين الذين أمضوا أمس يوماً هادئاً غاب عنه تبادل الاتهامات والتجاذبات السياسية، وهم يتطلعون الى الإنجازات الموعودة من مجلس الوزراء الذي عقد أمس جلسة بروتوكولية غاب عنها ممثل حزب الكتائب وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ، الذي سمي، على رغم ذلك، عضواً في لجنة صوغ البيان الوزاري التي تعقد اليوم أول اجتماعاتها في السراي الكبيرة، برئاسة الحريري لتستمد بيانها، كما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في مستهل الجلسة، من المبادئ التي تحدث عنها الحريري فور تأليف الحكومة ومن بيان الحكومة السابقة ومن خطاب القسم الذي ألقاه أمام المجلس النيابي فور انتخابه رئيساً للجمهورية في 25 أيار (مايو) 2008. وتميزت مواقف الترحيب بولادة الحكومة ببرقية بعث بها الرئيس بشار الأسد الى نظيره اللبناني، معرباً عن أمله بأن «تكون هذه المرحلة مرحلة خير وتقدم للجمهورية اللبنانية وللشعب اللبناني الشقيق»، وباتصال تلقاه الحريري ليل أمس من الرئيس نيكولا ساركوزي كان استبقه بتوجيه رسالة تهنئة اليه تمنى له فيها النجاح في أداء «المهمة العليا الموكلة إليه بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشكل تلبية لتطلعات الشعب اللبناني بكل مكوناته وتندرج ضمن امتداد للانتخابات النيابية في السابع من حزيران (يونيو) الماضي»، مجدداً وقوف فرنسا الى جانبه، خصوصاً من أجل التطبيق الكامل لاتفاقات «باريس – 3». كما أكدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في بيان صدر عن البيت الأبيض تطلعها الى العمل مع الحكومة اللبنانية الجديدة، مشيدة بجهود رئيسي الجمهورية والحكومة في عملية التشكيل. وتمنت أن يعكس البرنامج الحكومي التزام القرارات الدولية، خصوصاً 1559 و1701 و1680، مجددة إشارتها الواضحة الى أنه لن تكون هناك أية حلول إقليمية وفي عملية السلام على حساب لبنان. وتعهدت إدارة أوباما الوقوف مع الشركاء الذين يلتقون معها حول التزام سيادة لبنان، مؤكدة أنها تتطلع للعمل مع حكومة تدفع باتجاه تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية لمصلحة الشعب اللبناني باعتبار أن هذه الأهداف تشكل مساراً واضحاً نحو الاستقرار والسلام والفرص الاقتصادية في لبنان والمنطقة. أما ردود الفعل المحلية على تشكيل الحكومة فأجمعت على ضرورة فتح صفحة جديدة بين اللبنانيين لمصلحة تعزيز الاستقرار العام والحفاظ عليه كأساس للالتفات الى مطالب اللبنانيين، باستثناء حزب الكتائب الذي غاب ممثله الوزير الصايغ عن الجلسة الأولى لمجلس الوزراء احتجاجاً على عدم إسناد وزارة التربية اليه، ولوَّح باتخاذ خيارات أبرزها الانسحاب من الحكومة أو الخروج تنظيمياً من قوى 14 آذار من دون أي تغيير في موقفه السياسي أو القبول بالمشاركة مكتفياً بتسجيل موقف اعتراضي، علماً أن المكتب السياسي الكتائبي الموسع سيتخذ قراره النهائي عصر اليوم، فيما لوحظ أن مجلس الوزراء لم يتطرق الى غياب الصايغ فاسحاً المجال أمام الجهود الرامية لإقناع رئيس الحزب الرئيس السابق أمين الجميل بتعديل موقفه باتجاه الانخراط في الحكومة. وكان مجلس الوزراء عقد جلسته الأولى برئاسة سليمان وحضور الحريري والوزراء، باستثناء الصايغ، وقال فيها سليمان، كما أعلن وزير الإعلام طارق متري، «إن وقتنا في عملية التأليف لم يذهب سدى وتبين أن الأزمة السياسية لم تؤثر في الوضعين الأمني والاقتصادي وأن طول مدة المشاورات أتاح إجراء حوار بين القوى السياسية ستظهر آثاره قريباً»، متمنياً أن «ندخل وزاراتنا دخولاً هادئاً من دون أفكار أو أحكام مسبقة»، ومشدداً على التضامن الوزاري وعلى علاقة الحريري بالوزراء ما يعني بالحد الأدنى تلافي كل أنواع الحملات الإعلامية والتجريح «فنحن نناقش في مجلس الوزراء لكننا حين نقرر علينا أن ندافع عن مقرراته والتسريبات الإعلامية المتعلقة بتفاصيل مداولاتنا في المجلس مضرة ما يجمعنا كلنا هو التصويت عند الحاجة بحسب ما يحدده الدستور». وعلمت «الحياة» أن سليمان تطرق في كلمته الى العلاقات اللبنانية – السورية ونقل عنه وزراء قوله: «إن هذه العلاقات أمام مرحلة جديدة وعلينا أن نسعى الى تطويرها وتعزيزها لمصلحة البلدين وأن لا نكتفي بمتابعة هذا الأمر عبر سفيري البلدين، وإنما يتوجب علينا كرؤساء ووزراء معنيين القيام بدور فاعل كل منا في مجاله». وبالنسبة الى كلام الحريري في مجلس الوزراء، فقد نقل عنه متري قوله: «إن هذه الحكومة هي الأولى بعد إجراء الانتخابات النيابية وأردنا مجتمعين أن نتكامل مع نتائجها لا أن تكون وسيلة لنفي وجودها أو التعارض معها وإن الاستثناء لا يؤسس لقاعدة دستورية أو لعرف دستوري وحكومة الائتلاف الوطني في النظام البرلماني الديموقراطي استثناء توجبه الحاجة والضرورة وليست قاعدة تبني عرفاً دستورياً وأنا من جهتي أتمنى يوماً أن أكون في صفوف المعارضة لأمارس دوري من خلال النظام الديموقراطي». وكرر الحريري قوله إن «هذه الحكومة وجدت لتعمل لا لإقامة متاريس سياسية على طاولة مجلس الوزراء والحوار هو الذي يجب أن يحكم العلاقة بيننا ولا يعني انقسام مجلس الوزراء أو تقسيمه الى جبهتين، فاستخدام الإعلام في توجيه الرسائل السياسية بعضنا لبعض مسألة تضر بالمصلحة العامة». كما كان لعدد من الوزراء مداخلات جاءت متناغمة مع موقفي رئيسي الجمهورية والحكومة ودعوتهما الى التعاون. على صعيد آخر أدّى تأليف الحكومة اللبنانية الى «الإفراج» عن الجلسة النيابية العالقة والمخصصة لانتخاب رؤساء ومقرري وأعضاء اللجان النيابية بسبب ربط الأكثرية عقدها بتأليف الحكومة. ومن المقرر أن تعقد الجلسة النيابية بعد غد الخميس وسط أجواء تشير الى التوافق على توزيع رئاسات اللجان على الكتل النيابية حفاظاً على التوازن المعمول به في البرلمان.