لم تكشف السلطات العراقية ولا الاممالمتحدة عن نتائج زيارة موفد الأمين العام للامم المتحدة اوسكار فيرنانديز تارانكو للتشاور مع الحكومة العراقية في شأن تفجيرات آب (أغسطس) الماضي. لكن الزيارة أظهرت معطيات مختلفة أبرزها ان العراقيين مصرّون على المضي في خيار تدويل التفجيرات الى نهايته، إضافة الى بروز اتجاهات عراقية لتوسيع نطاق المطالبة بالتحقيق الدولي في تفجيرات آب الى مختلف التفجيرات وأعمال العنف التي شملت العراق منذ عام 2003، ومنها الجرائم الطائفية واستهداف المسيحيين والأقليات الاخرى. وفي مقابل هذا الاتساع في المطالب العراقية، كان من الواضح ان هناك خللاً مفاهيمياً في توصيف مهمة المبعوث الأممي بين تأكيد الأممالمتحدة ان المهمة «تشاورية» وبين وصف المسؤولين العراقيين للمهمة ب «التحقيقية» ولرئيس البعثة ب «المحقق». ويطلق جميع المسؤولين العراقيين فضلاً عن وسائل الإعلام العراقية الرسمية على المبعوث الدولي صفة «المحقق الدولي»، فيما أشار بيان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى انه «كلف مساعده للشؤون السياسية اوسكار فيرنانديز تارانكو برئاسة بعثة لزيارة العراق للتشاور في الجوانب التي تتعلق بأمن العراق وسيادته، والمعلومات المتوافرة لدى الجهات العراقية المختصة عن الهجمات الارهابية التي تعرضت لها بغداد وما يمكن ان يتقرر بعد ذلك». ولم يتطرق بان كي مون او اي من المسؤولين الأممين الى صلاحيات تخوّل فيرنانديز التحقيق في الهجمات التي تعرضت لها بغداد. والتقى المبعوث الاممي رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ووزراء الدفاع عبدالقادر العبيدي والداخلية جواد البولاني والخارجية هوشيار زيباري ومسؤولين حكوميين وأمنيين آخرين، وقالت الحكومة العراقية انها سلمت المبعوث عشرات من الوثائق والادلة التي تدين سورية ولا تنحصر بتفجيرات وزارتي الخارجية والمال، بل تتعداها الى مختلف اعمال العنف التي تتوافر أدلة على مرتكبيها. وأطلق علي الموسوي المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء نوري المالكي على المبعوث الدولي صفة «المحقق الدولي» وقال ل «الحياة» ان «المحقق الدولي لن يقف عند تفجيرات الاربعاء أو الاحد، بل ان التحقيق سيذهب أينما ذهب الدليل، والمحقق سيتبع الادلة وسيطارد الجهات التي وقفت وراء الجرائم حيثما كانوا»، مبيناً ان «الادلة قد تثبت تورط جهات ودول أخرى في التفجيرات الارهابية». وقال الموسوي إن «هناك أدلة تؤكد تورط بعض الجهات السورية في رعاية وتدريب بعض المجموعات المسلحة والمسؤولة عن اعمال العنف في البلاد»، لافتاً الى ان «تصريحات وزير الخارجية هوشيار زيباري الاخيرة تمثل الديبلوماسية العراقية وهو موقف الحكومة نفسه منذ البداية». وكان زيباري اتهم دمشق الاسبوع الماضي في التورط بالتفجيرات الاخيرة. وقال إن «لدى الحكومة أدلة قاطعة وملموسة على وجود دور سوري في التفجيرات»، داعياً الاممالمتحدة الى «التحقيق في احتمال وجود أطراف خارجية وراءها»، لكن وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي ابلغ «الحياة» تعقيباً على تصريحات زيباري ان بغداد متمسكة بعدم اتهام سورية أو اي دولة بالتفجيرات وأنها تنتظر نتائج التحقيق الدولي، ما اعتبره مراقبون تضارباً في المواقف الحكومية. وطالب الموسوي كل دول الجوار ب «التعاون الجدي مع العراق والوقفة الحقيقية معه لوقف تسلل الارهابيين ودعم الاستقرار فيه»، متهماً تلك الدول ب «عدم الجدية في مساعدة العراق، فهي لا تفعل شيئاً سوى الادانات الكلامية الفارغة وتعاونها ليس بالمستوى المطلوب». ويكشف الموسوي في هذا الصدد ان خيار «التدويل» قد يكون طويلاً وقد يتطلب المزيد من الوقت، وتلك حقيقة يدركها العراقيون لكنهم مع ذلك «سيسيرون في هذا الخيار الى النهاية». وكانت الحكومة العراقية طالبت دمشق بتسليم قياديين بعثيين هما محمد يونس الاحمد وسطام دحام اللذان تتهمهما بغداد بتدبير هجمات آب الماضي وتقول انهما يتخذان من الاراضي السورية مقراً لهما، ورفضت الحكومة السورية الطلب العراقي لأنه «لم يقدم أدلة ملموسة على تورطهما في التفجيرات الدامية». من جانبه، قال عضو لجنة الامن والدفاع البرلمانية عادل برواري ان «التحقيقات الاولية تشير الى تورط الجهات المسؤولة عن تفجيرات الاربعاء الدامي بهجمات الأحد الإجرامية». وقال برواري ل «الحياة» ان «التحقيقات لم تؤكد لحد الآن تورط يونس الاحمد بالتفجيرات، لكنها تشير الى تورط جهات بعثية مقيمة في سورية بالتخطيط لتفجيرات الاحد الماضي وتمويلها». وأضاف ان «التحقيقات أكدت وجود تنسيق وتبادل أدوار بين عناصر «القاعدة» ورموز البعث، اذ انهم (البعثيون) يخططون ويمولون وينتخبون الاهداف، وتنظيم «القاعدة» عليه فقط تهيئة الاشخاص الانتحاريين والتنفيذ»، مشيراً الى ان «هدف العمليات الإجرامية الاخيرة هو إفشال العملية السياسية وإسقاط الحكومة والقضاء على العملية الديموقراطية في العراق». وتابع ان «الحكومة العراقية عرضت على البعثة الاممية و(المحقق) الدولي أدلة ووثائق وصوراً وأفلاماً عن ضلوع عناصر حزب البعث والارهابيين الموجودين في سورية بالتفجيرات التي حدثت في بغداد»، مرجحاً ان «يجبر المجتمع الدولي دمشق على التعاون مع العراق وتسليم المطلوبين سواء كانوا عراقيين أم سوريين مهما كانت عناوينهم الامنية أو الحكومية». وكان نواب عراقيون طالبوا في تصريحات الى «الحياة» خلال الايام الماضية بشمول قضايا مثل دور المليشيات في أعمال العنف الطائفية وقضية تهجير وانتهاك حقوق المسيحيين في العراق بالتحقيقات الدولية، وهو أمر قد يضاعف من المصاعب التي تنتظر أي لجنة تحقيق دولية بحسب مسؤولين عراقيين، فخلط قضية الإرهاب بقضايا النزاعات الأهلية يجعل من مهمة لجنة دولية أمراً مستحيلاً أو في أحسن الأحوال طويل الأمد، وهو ما يسهل على «الارهابيين» استمرارهم في العمل.