السيدة «راع حتب» كانت وصية على ابنها «أحمس». وحين ذهب لتنفيذ مهمات تتعلق بالدولة، حلت محله في العاصمة المصرية. ولم تكن «راع حتب» استثناءً، بل نساء مصريات كثيرات قمن بدور الوصيّات على العرش، منهن: السيدة «حتب حرس»، زوجة السيد «سنفرو» ووالدة «خوفو»، التي تمتعت بمكانة عظيمة. كذلك هي حال سناء المولى (38 سنة) التي فتحت بنفسها حسابي توفير لولديها القاصرين، عشر سنوات و12 سنة، من دون حاجتها إلى موافقة الأب أو إقرار منه أو ما شابه. «أحوّل قسماً من راتبي إلى هذين الحسابين شهرياً، كنوع من التوفير لهما. ولا أجد أي مشكلة في الإيداع أو السحب منهما»، كما تقول. ويؤكد ما تقوله مدير الائتمان في أحد البنوك الخاصة الكبرى، زكي صالح، الذي يقول إن من حق المرأة أن تفتح حساباً لأبنائها القاصرين، مع تمتعها بحرية التصرف فيه. ولكنّه يُعتبر «تبرعاً» منها لأبنائها، أي أنه عند بلوغهم سن ال21 تؤول هذه الأموال إليهم، بشكل أتوماتيكي. إلا أن الصورة ليست كلها وردية، فبحسب دراسة للمركز المصري لحقوق الإنسان، فإن المرأة «التي يعتبرها المشرع تابعاً للرجل ناقص العقل، تحتاج إلى قيّم على تصرفاتها. ثم هي لا تؤتمن على أموال أبنائها في حال وفاة الأب، فسلطة التصرف في أموال القاصرين تكون للولي الشرعي، أي الأب أو الجد للأب. وفي حال وفاة الأب، تعيّن الأم «وصياً»، ويتم تعيينه في النيابة الحسبية، مهمته إدارة أموال الصغار والمحافظة عليها. ويلتزم الوصي بالحصول على إذن المحكمة عند مباشرة بعض التصرفات، إذ أن المشرع يفترض عدم أهلية الأم وإمكان تأثير الآخرين عليها، ما يضر بالأطفال». وبحسب تقرير المركز، تنشب خلافات بين الأم والجد بعد وفاة الزوج، لكن الصراع غالباً ما يحسم لمصلحة الجد. إلا أن للمحامي طلعت السعداوي رأياً مغايراً، فعادة تسير الأمور بعد وفاة الزوج بالتراضي بين الزوجة من جهة، وأهل الزوج، من جهة أخرى. «صحيح أن الولي الطبيعي بعد وفاة الزوج يكون الجد (والد الزوج)، ولكن في حال غيابه، تتقدم الأم بطلب إلى النيابة الحسبية لتقوم هي بدور «الولاية المالية» لأموال أبنائها القصّر. ويشير السعداوي إلى بعض الحالات التي تتخوف فيها أسرة الزوج المتوفى من تصرف الزوجة في الأموال، أو زواجها من آخر قد تؤول إليه هذه الأموال. وهو ما ينجم عنه مشاكل وصراعات. وفي حال وجود أموال وأملاك باسم الزوج المتوفى، يتم عادة إثباتها في النيابة الحسبية ضماناً لعدم ضياع الحقوق. وإذا أراد الوصي أن يتصرف في جانب من تلك الممتلكات، يتوجب عليه الحصول على إذن من النيابة التي تكون طرفاً في عملية التقييم أو البيع، ضماناً لعدم التلاعب بأموال الصغار. إلا أن السعداوي يؤكد حدوث مخالفات وطرق ملتوية لتحقيق مآرب شخصية تضرّ بمصلحة الصغار. الفرق بين وصاية السيدة «راع حتب» وزميلتها السيدة «حتب حرس» على ابنيهما وبين وصاية الأم المصرية المعاصرة، ليس فقط بضع آلاف من السنوات، بل أن الفرق الحقيقي يكمن في نظرة المجتمع التي تشكك في الأم الوصية على الأبناء. فهي عادة إما تضمر نية الاستحواذ على أموال الزوج لنفسها، أو الزواج من آخر وتسليمه أموال زوجها الراحل على طبق من فضة. وبالطبع فإنه في حال عكسنا الوضع، فلا يمكن تطبيق الكلام ذاته. فالزوج الذي تتوفى زوجته له مطلق الحرية في التصرف، وإذا فكر في الزواج من أخرى، فهذا حق طبيعي له، بل ويتم تشجيعه على ذلك، فكيف له أن يخدم نفسه؟ وعلى من يعتمد في إدارة شؤون البيت؟ ومن يؤنسه في وحدته؟ زواجه من أخرى حق يكفله المجتمع. أما حق المرأة في أن تفتح حساباً بنكياً لمصلحة أبنائها القصر، فكفله القانون أخيراً شرط أن يكون «تبرعاً» منها.