استطاع الحراك الاجتماعي الذي بدا مدفوعا برغبة صادقة من لدن جلالة الملك عبدالله حفظة الله، أن يهز سطح المجتمع الراكد ويخرج من باطنه، مفاهيم قديمة ساعدت الأعراف والتقاليد على رفعها من مرتبة التقليد إلى مرتبه المقدس. من اهم هذه المفاهيم التي ظهرت مؤخرا، مفهوم الاختلاط، والذي كان حتى وقت قريبا مفهوم محرم نبش بواطنه أو تفكيكه. وعلى هذا التحفظ المتشدد والمغلوط، بنيت سياسات واستراتجيات، ومشروعات تنموية، قاعدتها الاختلاط حرام. اليوم وبعد أن تقدمت رؤية شجاعة نقية لقائد دولتنا الملك عبد الله حفظة الله، و دفعت بمشروع مثل مشروع جامعة الملك عبد الله، يتبنى رؤية قائمة على سيادة العلم وقواعد المجتمع الناضج، تتكاتف فيه الكفاءات والخبرات العلمية في خدمة العلم سواء كان هذا العالم ذكرا أو انثى تحت مظلة من القواعد المهنية العلمية التي لا تتناقض مطلقا مع أخلاق الدين والمجتمع الرشيد. من هنا شعر البعض بأنهم يستطيعون قول الحقيقة أخيرا. فظهر من يقول بأن تحريم الاختلاط مفهوم دخيل على الإسلام و«دعى إلى عدم التخوف من التساهل في الاختلاط الجائز»، لاعتبار «أن عادة المسلمين جارية على الاجتماع العام بين النساء والرجال». و«أن اعتبار أن الاختلاط محرم أشد تحريم، فهذا من القول على الله بلا علم، ومن الاستعجال بالأحكام بلا دليل» «وشدّدوا على التمييز بين الاختلاط والخلوة». هذه الأحكام أصبح يقول بها بعض المسئولين، في المؤسسات الدينية، وبعض الفقهاء من خارجها، وبعض علماء الدين، كما ظهرت معها أحكاما مثل جواز كشف وجه المرآة، وغيرها من الأحكام التي لم يعهد الناس سماعها من فقهاء الدين، ولم يكن يعرفها إلا قلة من الناس المثقفين الذين دفعوا ثمنا حين حاولوا تصحيحها. السؤال هنا، هل سيستطيع الناس قبول هذه الأحكام، وهم الذين تربوا على حرمتها عقودا طويلة، وألفوا تشددها، بل وصاروا ينشدونه ويطلبونه، ولا يرتاحون إلا إليه؟ هل يستطيع هؤلاء أن يطمئنوا، ويصدقوا هذه الأحكام الجديدة بالنسبة لهم والميسرة؟ وماذا يفعلون بهويتهم القديمة التي تربوا عليها بل واكتسبوا عبرها بتشددهم امتيازات منحتهم الاحترام والتقدير بين الناس. والسؤال الأهم من هو المسؤول عن هذا التضليل والتضييق على الناس والحجر على حرياتهم بحجة تحريم الاختلاط الذي بسببه تعطلت مصالح المسلمين؟ من هو المسؤول عن كتم هذا العلم الذي شدد الله سبحانه وتعالى على عقوبة كتمانه بقوله «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيَّنَّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون»! هذا الحوا ر المفتوح اليوم مهما بدا حزينا للبعض، ومهما بدا مثيرا لشكوك آخرين إلى أنه يظل عتبه أولى للخروج من ظلام الجهل إلى ضوء المعرفة! [email protected]