فتحت عينيها وحاولت النهوض، ولكن لم يكن لديها القدرة على الحركة، يداها متجمدتان، وساقاها تعتذران عن حملها والسير بها، شالها الأحمر ما زال ثابتاً على كتفيها، ويغطي صدرها كأنها كانت في رحلة موت متجمدة، كل ما حولها بارد متجهم، إلا النور المضيء من شاشة الساعة الإلكترونية، نظرت إليها فهي الأخرى متجمدة على الطاولة الجانبية لسريرها، الزمن يشير إلى الخامسة فجراً، والتاريخ يقول إنه ال29 من ديسمبر! «يومان فقط تفصلني عن نهاية العام، الانفصال والارتباط بالأرقام سهل للغاية، ولكن هل سنصل؟». انشغلت بفكرة الأرقام عن تجمدها وعادت لتحاول النهوض «كأنني سيدة الثلج.. أوه نسيت رجل الثلج»! ولكن لماذا الرجل مميز حتى بهذه العادة السنوية الثلجية؟ «هل لأن الرجال في قلوبهم ثلوج متراكمة لا تذيبها إلا أنثى متحررة من زمن الأرقام تهطل بالدفء مرة واحدة، وبعدها يذوب كل ما حولها»؟ المرأة هي المدفأة هكذا كان جدها يقول في ليالي الشتاء القارسة، ولكنها لم تكن تعي وتستوعب ما معنى هذا الكلام، فهي عندما تزوره في منزله تسمع حكايات وكلمات، وحتى مصطلحات لم تسمعها من قبل كان يردد بيتاً مشهوراً: «لا صرت بالصمان والبرد حاديك....». «يا الله كم كان جدي على سجيته وأسلوبه الفطري، في الوقت الذي كان والدي يغلق عيني وأذني عن سماع أشياء يظن أنها تخدش الحياء، ليت جدي يأتي ليرى أن المدفأة متجمدة من البرد، وأن لا شيء يحاول أن يبث في روحها لو قليلاً من دفء يساعدها على النهوض وصلاة الفجر». أن تموت الأنثى وهي على قيد الحياة فكرة تخالف الطبيعة، لأنها هي الحياة، ولكن الرجل هو «الحبل السري» الذي يربطها بالحياة وعندما تمر من خلاله روحها تزداد روحه، ويعيش أطول في عمر الحب، وهي في المقابل تكتنز كل خيرات له. الدفء الأنثوي لا يظهر إلا عندما تجد الأنثى من يشعل تفكيرها ويلامس قلبها، قدرة الرجل على البحث عن مواطن الدفء وكيفية العبث بكل ما حوله لينتصر هو في النهاية قدرة عجيبة على الفوز وكسب كل شيء بأبسط الوسائل، هذا في حال إن وجد أنثى ينكسر عودها مع أول نسمة حب لتشتعل وتنطفئ في لحظة، ولكن إن صادف كومة من أخشاب البلوط فكيف به أن يشعلها من أول لمسة؟ النساء وقود الحب، ولكن هناك من تفوق تصورات الرجال وتظل مشتعلة طول العمر لرجل واحد، وهناك من تتكسر عيدانها بين مشاعر لا تليق بها، هي طاقة لا تنضب وعندما تقترب أن تخبو تزداد اشتعالاً أكثر وأكثر. صوت منبه الرسائل النصية بنغمته المخصصة لحبلها «السري» أشعل كل ما حولها، قفزت من مكانها لأن هاتفها ليس بقربها، فهي لم تعد تهتم لأحد بعد أن تخاصمت معه منذ أكثر من شهر وتوقفت رسائل الفجر عنها. «فجرك خريطة النور» ثلاث كلمات ملئت كل غرفتها بالدفء، ثلاث كلمات فقط كانت كفيلة بإذابة قمم جبال الألب التي تعشقها! «كم تغتالني بكلمات وتحييني ببعضها، كم يجدني كلي عندما تطل بظلك فقط فكيف لو حضرت؟ كم أنت قاس ممل متهور عابث حكيم وذكي، كل هذه الصفات بك هي وقود حبي لك». لم ترد سيدة الثلج على رسالته، ولكنها عندما سجدت في صلاتها لم تنس أن تردد: «اللهم احفظه لقلبي شعوراً لا يغادره أبداً»! * قاصة سعودية.