لم أشأ أن أشارك في الصخب الإعلامي حول «الإخوان المسلمين» لأسباب أعلنتها في وقتها لكل من اتصل بي من الأصدقاء والصحافيين الذين تفهم معظمهم موقفي لكن البعض ألحّ عليّ ليأخذ تعليقاً مقتضباً أو كلمات سريعة، ذلك على رغم إدراكي بأهمية الإعلام وصداقتي للكثير من الإعلاميين والصحافيين. وفي الحقيقة أثبتت الحملة الإعلامية حقائق عدة نلمسها جميعاً منذ فترة طويلة وفي مقدمها: حالة الفراغ التي تشهدها الساحة الإعلامية. أهمية الإخوان المسلمين التي يحاول البعض أن يقلل منها. وجود من ينفخ في قضايا ليحقق أهدافاً ويقلل من أهمية قضايا أخرى أكثر إلحاحاً ليطمس الحقائق حولها. وقد يظن البعض أن «الإخوان المسلمين» خسروا بسبب الضجة الإعلامية، ولكن في حساب المكاسب والخسائر سنجد أن كفة المكاسب أكبر وأثقل. الحب والأخوة داخل «الإخوان» تغلبا على منطق التنافس الدنيوي والسعي إلى المناصب والمواقع الذي تعود عليه المراقبون في أماكن كثيرة. واكتسبت إرادة الإصلاح والتجديد والاجتهاد داخل الإخوان دفعة قوية من روح الشباب والرجال والشيوخ الذين، وإن جانبهم الصواب في التعبير عن آرائهم أو مواقفهم إلا أن صوتهم وصل إلى مسامع الجميع. وعلى رغم محاولة البعض النيل من هيبة المرشد العام محمد مهدي عاكف ومكانته إلا أن الرجل أثبت للجميع في نهاية الأمر أنه لا يسعى إلى البقاء في موقعه إلى آخر نفس يتردد أو نبض يتدفق، وأنه كان عند كلمته التي أعلنها منذ توليه موقع المرشد العام عندما قال: «إنه لن يجدد ولاية ثانية، وظهر بوضوح للجميع أنه لا يفرض رأيه بقوة منصبه على الآخرين وإن كان تفسيره للوائح وارداً وسليماً من وجهة نظره، وفي هذا لو يعلم الجميع، وفي مقدمهم «الإخوان» أنفسهم، درس بليغ. وفي هذا الموقف للمرشد العام – لو يعلم «الإخوان» أنفسهم – درس كبير ومنعطف تاريخي، على رغم أنه سبق للإخوان أن اختلفوا مع مرشدهم في حياة البنا وحياة الهضيبى الأب وعمر التلمساني رحمه الله، إلا أن الاختلاف هذه المرة خرج إلى العلن وتابعه الجميع حتى على شاشات التلفزيون. وأثبتت الأحداث أهمية اللوائح وضرورة الالتزام بها مع الحاجة إلى إدراك أن روح الأخوة والمحبة أهم من النصوص الجامدة، وأن مراعاة أهمية تداعيات الأمور يجب أن يُحسب حسابها وأن العبرة في نهاية الأمور ليست بالنصوص فقط، لأن التطبيق يظهر أحياناً فشل اللوائح في حل المشكلات، ولذلك يتم تفسيرها بطرق مختلفة، وأحياناً يتم إدخال تعديلات وتغييرات عليها بعد فترات من التطبيق. راهن البعض من المتربصين ب «الإخوان»، وتخوف البعض من أصدقاء «الإخوان» وأبنائهم، وذهب البعض من المراقبين والمحللين إلى حدوث تصدعات وانشقاقات وشروخ في الجسد الإخواني، خصوصاً أن الخلاف في قمة الهرم التنظيمي، وأثبت «الإخوان» عقم تلك التحليلات أو التمنيات أو المخاوف، والسبب في ذلك يعود إلى أمور عدة: أولاً: أن «الإخوان» ليست مجرد حزب سياسي أو قوة سياسية بل أكبر من ذلك، فهي دعوة وفكرة ورسالة ربانية. والثاني: أنه ليس هناك في الأصل مغانم يختلف «الإخوان» عليها ويتعاركون، بل هي تضحيات مستمرة وضريبة يدفعها أعلى الهرم التنظيمي كما يدفعها الشباب. والثالث: يعود إلى السياسة الأمنية الباطشة التي تزيد من لحمة التضامن بين «الإخوان» وتعلي روح الأخوة والمحبة. أما في ما يخصني شخصياً، وإن كنت لا أحب أن أتطرق إليه لولا الحاجة الملحة وإلحاح الإخوان والأصدقاء، فيعلم الله أنني ارتبطت «بالإخوان» منذ أكثر من ثلاثين عاماً كفكرة ودعوة ومنهج للإصلاح والتغيير وفق رؤية إسلامية معتدلة تريد الخير للناس والوطن والإنسانية كلها وتعمل على نهضة الأمة الإسلامية وإحياء مجدها وإعلاء كلمة الله في الأرض. ويعلم الله أنني كنت، وأسأل الله أن أظل كذلك، لا أسعى إلى موقع أو منصب أو مكانة وأجاهد نفسي كثيراً لئلا أعلن رغبتي في ترك أي موقع يوكل إلي كي لا يساء تفسير ذلك، ولأنني أدرك أن اختيار إخواني لي هو تكليف وأن الله إذا أراد بي شيئاً فهو الأوفق لي، واختياره أفضل من اختياري وتسليمي له برضا هو عين العبودية لله. ويعلم الله أنني أعتبر حب إخواني والناس لي هو علامة على حبه سبحانه وتعالى ودليل على رضاه عني وقبوله مني، وأنني التزم ما قاله أبو العباس المرسي رحمه الله ورضي عنه «من أراد الظهور فهو عبد الظهور، ومن أراد الخفاء فهو عبد الخفاء، أما عبدالله حقاً فهو من إذا شاء الله أظهره، وإذا شاء أخفاه، لا يختار لنفسه ظهوراً ولا خفاءً». أما المواقع التنظيمية والهياكل الإدارية فإنما جعلت لخدمة الرسالة والفكرة والدعوة وهي لا تعطي أحداً يشغلها مكانة لا يستحقها في نظر إخوانه أو الناس، ورحم الله الإمام البنا الذي بيّن أن الإخوان أنواع منهم من آمن بسمو الدعوة وقدسية الفكرة، وعزموا على الصدق مع الله فيعيشون بها أو يموتون في سبيلها، وأما غيرهم فهم يتمسكون بالدروس والمحاضرات والمظاهر والإداريات. وفي حديث ضاحك مع صديق ناصري قلت له : أنتم السابقون وإنّا إن شاء الله لن نلحق بكم، ولا تتعجل الشماتة فلن نعطيكم فرصة للشماتة، فضحك وقال : لسنا كذلك، وتمنى لنا التوفيق والسداد. وكلمتي لبعض إخواني الغاضبين أنصحهم فيها أن يكون غضبهم دوماً لله تعالى أولاً وآخراً، وألا يرتبطوا في مسيرتهم الدعوية ولا الحياتية بأشخاص، فالبشر لا تؤمن عليهم الفتنة، وأن يرتبطوا بالمبادئ والقيم والمثل والأفكار فهي الباقية الدائمة، وألا ينجرفوا في غضبهم والتعبير عنه إلى ما لا يليق بالمسلم، فضلاً عن الأخ الذي ارتبط بدعوة «الإخوان» ويجاهد نفسه على الوفاء بمتطلباتها، وأن يظلوا أوفياء لهذه الدعوة يقولون الحق ولا يخشون لومة لائم وينصحون لقادتهم في أدب وحكمة، ويجهرون برأيهم من دون تلجلج أو خوف ويعملون من أجل التجديد والاجتهاد والابتكار في سبيل رفعة هذه الدعوة، ويبدأون بأنفسهم في الإصلاح والتغيير فيكونون قدوة لغيرهم على طريق الدعوة في النجاح والتوفيق كجنود فكرة وعقيدة وليسوا مجرد أعضاء في جماعة أو تنظيم. * قيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» - مصر