الحضور هم مجموعة من طلاب المدارس، والمكان جلسة خارج جدران الغرف الدراسية، أما الموضوع فهو بعيد كل البعد عن المعتاد والأسلوب ينأى بنفسه عن التلقين لكسر حاجز الصمت. جلسة العصف الذهني التي عقدت في عدد من مدارس الأردن هدفت إلى توعية الأجيال الشابة بمفهوم التغيير المناخي، وضعتهم في صورة الواقع، وقدمت لهم وجبة دسمة لا يمكن إغفال أهميتها في هذا الوقت. في بداية الجلسة خيم السكون على الحاضرين، علامات الاستفهام والتعجب غلبت عليهم حول ما قِيل في شأن الاحتباس الحراري وكيف أن افراز كميات كبيرة من غازات الدفيئة في الجو وزيادة تركيزها يتسببان بارتفاع درجات الحرارة واختلال المناخ العالمي. سيل المعلومات التي تدفقت إلى أذهان الطلاب ولحظة إدراكهم مدى تأثيرات التغيرات المناخية على الكرة الأرضية، والتي قد تصل الى حد ارتفاع مستوى البحار والمحيطات وتهدد الحياة البشرية بالخطر، جعلهم يسارعون إلى وضع المقترحات. منهم من دعا الى إطفاء جميع الأضواء التي لا غاية من استخدامها في المنزل، وآخرون اقترحوا استبدال المكيفات بالمراوح الكهربائية لأنها اقتصادية، والبعض اقترح تقليل استخدام المركبات الخاصة، واستبدالها بوسائل النقل العامة. «مثل تلك الجلسات تعمل جمعيات البيئة في الآونة الأخيرة على عقدها في المدارس بعد أن قُرِعت نواقيس الخطر»، بحسب المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية المهندس أحمد الكوفحي الذي أشار الى «أهمية نشر الوعي بين جيل الشباب فهم معنيون بتدارك الخطر» لافتاً إلى أن «الجمعية تتجه بنشاطاتها الى نشر الوعي بين طلاب المدارس والجامعات لوضعهم في صورة المستقبل، ودفعهم الى تحمل المسؤولية الفردية من خلال تغيير سلوكياتهم اليومية». تربط هدى (25 سنة) مفهوم التغير المناخي بشح الأمطار، تسكت للحظات وبعد دقائق من التفكير تستطرد «الملوثات البيئية كحرق النفايات والأدخنة المتصاعدة من المركبات جميعها تؤدي الى تغير المناخ». وتضيف: «كيف للمواطن أن يساهم في الحد من التغير المناخي، أعتقد أن ما يحدث هو نتيجة الأدخنة المنبعثة من المصانع، ونحن كدول غير صناعية ليس بيدنا حيلة فلا وجود للمصانع على أراضينا». تتابع هدى، المحاسبة في إحدى الشركات الخاصة: «ما العلاقة بين كثرة استخدام الطاقة بما يحدث من كوارث طبيعية وتوقعات تشير الى اختفاء بعض الجزر»، وتتساءل: «كيف لنا أن نساهم في الحد من التغيير الحاصل»؟ من جانبه يؤكد الكوفحي أن «فئة محدودة من المجتمع الأردني تعي حجم المسؤولية الفردية اتجاه التغير المناخي، فيما أكثرية المجتمع لا تتعامل معها بجدية»، مضيفاً: «ما نحن مقبلون عليه من تغيرات في المناخ سيتسبب بتفشي الفقر وسيؤثر حتماً في حياة المواطنين». وبيّن أن «انشغال المواطن في شؤون حياته اليومية يجعله غير مكترث، ويعول الكوفحي على الفئات الشابة لأن تلقيهم المعلومات متاح عبر المناهج الدراسية وجلسات العصف الذهنية». غرف المنزل لا تُطفأ إنارتها قبل الساعة الثالثة صباحاً، وهو موعد نوم محمد (30 سنة)، وعلى رغم عدم استخدامه للغرف جميعاً في آن واحد تبقى وحدات الإنارة مضاءة، هذا النوع من السلوكيات وإن كان مكلفاً فهو لا يشكل عبئاً بالنسبة الى محمد. وعلى رغم إدراكه لخطورة استنزاف الطاقة يجد نفسه غير معني بتغيير سلوكياته طالما يشعر بالرضى، يقول: «على افتراض أن ما تترتب على المواطن من مسؤوليات تتطلب تغيير سلوكياته فلماذا لا نبدأ من المؤسسات الرسمية». ويستطرد: «كثيراً ما نرى مباني رسمية مضاءة ليلاً، ومسؤولين يجلسون في مكاتبهم المتخمة بالمكيفات الكهربائية يُنظِّرون ويدعون إلى ترشيد الطاقة». ويضرب الكوفحي مثالاً صغيراً على قلة الوعي لدى المواطن الذي أقبل على شراء المدافئ الكهربائية في فصل الشتاء الماضي بعد حسبة أعتقد أنها مربحة، فأسعار الوقود كانت مرتفعة فيما تكلفة الكهرباء منخفضة وهي أنظف بيئياً من وجهة نظرهم. ويضيف الكوفحي: «على السلطة التشريعية والتنفيذية أن تعي خطورة المسألة وتباشر بوضع إجراءات من شأنها تغيير سلوكيات المواطن انطلاقاً من المؤسسة التي يعمل فيها». ويؤكد أن «الجهات الرسمية المعنية لم تتخذ قضية التغير المناخي على محمل الجد»، لافتاً الى أن «الدول الأوروبية وصلت الى مراحل متقدمة بمعالجة مسببات الظاهرة بينما الدول العربية لا تزال شعوبها غير واعية بالخطر المقبل».