يبدو أن الفيلم السينمائي الوثائقي بدأ يعرف اهتماماً متزايداً في المغرب. إذ هناك الآن مجموعة من المهرجانات السينمائية المغربية التي أصبحت تهتم به وتخصص جوائز مهمة له. وهو الأمر الذي دفع الكثير من المخرجين، خصوصاً الشباب منهم، إلى الالتفات إليه والحرص على تقديم أفلام وثائقية جديرة بالمشاهدة وبالمتابعة النقدية تعريفاً بها وبالآفاق التوثيقية والجمالية التي تحرص على إيصالها إلى المتلقي. من هنا فقد استطاع على سبيل المثال مهرجان الفيلم الوثائقي في مدينة خريبكة أن يجد له مكاناً داخل المهرجانات السينمائية المغربية منذ دورته الأولى التي عقدت أيام الأول والثاني والثالث من تشرين الأول (أكتوبر) 2009 وتوزعت جوائزه على الأفلام الوثائقية الثلاثة الآتية: «نساء للبيع» للمخرجة اللبنانية ديما الجندي، و «لفيف» للمخرج المصري عز الدين سعيد، و «في انتظار الثلج» للمخرج المغربي ياسين الإدريسي. وهو الأمر الذي ترك صدى طيباً في الأوساط السينمائية المغربية. وإضافة إلى هذا المهرجان السينمائي الذي يعنى بالفيلم الوثائقي نجد مهرجاناً آخر يقام في مدينة الدارالبيضاء ويهتم هو الآخر بالفيلم القصير والفيلم الوثائقي معاً، وقد وصل هذه السنة إلى دورته الرابعة، وهو أمر إيجابي ينم عن اهتمام رفيع بهذا النوع من الأفلام السينمائية والحرص على تطويرها ومتابعتها. وفي إطار هذا الاهتمام السينمائي ذاته نجد مدينة أغادير تهتم بدورها بالفيلم الوثائقي حيث يتم مهرجانها السينمائي المخصص للفيلم الوثائقي الدولي هذه السنة دورته الثانية. هذا المهرجان السينمائي الذي تنظمه جمعية الثقافة والتربية عبر السمعي - البصري، وتحرص على جعله مهرجاناً سينمائياً جديراً بالبقاء والاستمرارية. وهو سيعقد في الفترة الممتدة من 10 إلى 14 تشرين الثاني (نوفمبر) من هذا العام وسيعرف مشاركة مجموعة من الأفلام الوثائقية من دول عدة مثل البرازيل وكندا والصين وفرنسا والهند وليبيا والمكسيك وهولندا وكينيا والبيرو وقطر وتركيا وغيرها. وهو ما يجعل منه بالفعل مهرجاناً سينمائياً ذا بعد عالمي. في حين سيشارك المغرب في هذا المهرجان بفيلم وثائقي يحمل عنوان «فوق الحبل» للمخرج المغربي وحيد المثنى. أما المواضيع التي تم تحديدها هذه السنة للمهرجان، فهي تتمركز حول رهانات التنوع البيئي وحقوق الطفل. وهو أمر محمود وإيجابي، لما أصبح للبيئة من أهمية في الوقت الراهن ولأهمية وضرورة الاهتمام بقضايا الطفولة بمختلف تجلياتها. وعلى غرار الدورة الأولى السابقة من هذا المهرجان، فإن هذه الدورة أيضاً ستعرف أنشطة موازية مهمة مثل القيام بعرض مجموعة من الأفلام الوثائقية على هامش المسابقة الرسمية وإقامة بعض الورشات للتربية على الصورة والاهتمام بها وغيرها. وسيخصص منظمو المهرجان، كما جرت العادة في المهرجانات السينمائية، جوائز مهمة للأفلام الوثائقية الفائزة، تتمثل في الجائزة الكبرى لأحسن فيلم وثائقي، وجائزة لجنة التحكيم ثم جائزة الجمهور. هكذا يمكن القول إن هذا المهرجان السينمائي الخاص بالفيلم الوثائقي الدولي الذي يعقد في مدينة أغادير، والذي يصل هذه السنة إلى دورته الثانية بعد نجاح دورته الأولى، أصبح يشكل مجالاً آخر للاهتمام بهذا النوع من الأفلام السينمائية التي ترتبط بالواقع في تشعباته المتعددة وتحرص على تقديمه في شكل يوثق ما يقع فيه، بحسب وجهة نظر كل مخرج طبعاً، مع الحرص على الجمالية الفنية والإبداعية الغنية سواء على مستوى الطرح الموضوعاتي أو التناول السينمائي المتكامل.