يتذكر المشاهدون المغاربة الإعلامية نسيمة الحر ببرنامجها الاجتماعي الحواري «بصراحة» أكثر من أي برامج أخرى من النوعية ذاتها، سبقته أو لحقته، مثل «لقاء» و «الكلمة لكم» و «بقلب مفتوح» و«تستمر الحياة». ويتذكرونها أيضاً كأحد الوجوه الأولى التي وسمت انطلاقة القناة الثانية العمومية «دوزيم» قبل 20 عاماً. تغيب ثم تعود للظهور على الشاشة الصغيرة، وفي كل عودة ينطلق الجدل ساخناً حول ما تقدمه. في الموسم التلفزيوني الحالي عادت ب «الخيط الأبيض» الذي يحاول أن يلعب دور الوسيط في الخلافات العائلية وتلك التي تنشأ ضمن علاقات العمل والجوار وسواها. ويواجه البرنامج المتخاصمين بعضهم ببعض، بعد لقائهم على حدة، ويستقبلهم في الأستوديو بحضور اختصاصيين في المجالات القانونية والنفسية والاجتماعية، ليحصل في النهاية التصالح بين المتخاصمين. يعتمد البرنامج على عرض ثلاثة تقارير، يطرح الأول موضوع النزاع من وجهة نظر الطرف الأول، فيما يطرح الثاني وجهة نظر المتنازع الآخر، والثالث يعرض محاولات الصلح التي تمت من قبل، أو يقدم الأطراف التي يمكنها التدخل لحل النزاع. ويتم اللجوء إلى تحكيم طرف ثالث يتمتع بالاحترام والتقدير من كلا الطرفين في حال استعصى التقريب بين المتنازعين. وتناولت حلقات البرنامج مشاكل الإرث بين الإخوة والأخوات وبين الآباء وأبنائهم وما بين الأصهار، وخرج البرنامج قليلاً عن هذه الدائرة بعرض نزاع بين قرويين حول طريق، ونزاع داخل إدارة فريق كروي مغمور. الدخول بخيط أبيض بين أطراف النزاع لإصلاح ذات البين هدف نبيل في حد ذاته. غير أن أكثرية الانتقادات، وإن اتفقت على أن فكرة البرنامج محمودة، كما إرساء قيم التسامح والصلح مسألة حيوية في حياة المجتمع وأفراده، فإنها تنحو باللائمة على اختيارات قضايا النزاع المعروضة، وتعتبرها هامشية وتافهة أمام مشاكل كبرى وأعمق يعانيها المواطن المغربي في حياته اليومية. وتركزت الانتقادات على منحى تلفزيون الواقع وتقليده لموضة التلفزيونات العالمية التي غزت بالتدريج التلفزيون العربي عموماً. ويرى المنتقدون أن «أسلوب البرنامج في استعراض أسرار الناس ومواجهة بعضهم البعض أمام الكاميرا موسوم بالفضائحية الفجة البعيدة من ثقافة المجتمع المغربي المراعية لحرمة البيوت وأسرارها». وأضاف هؤلاء أنه «يستغل مشاكل المواطنين البسطاء للاستهلاك الإعلامي والإثارة القائمة على التشهير ونشر غسيل البيوت والعلاقات الخاصة». بيد أن الاختصاصي النفسي في البرنامج يرى أن غالبية المشاكل الاجتماعية المعروضة في البرنامج يتبين بعد التمعن فيها أنها فارغة في العمق، ولهذا السبب بالذات تبرز ضرورة طرحها، ل «بناء مسلسل يساعدنا في معالجة مشاكلنا الاجتماعية، خصوصاً أن بلادنا يجب أن تولي اهتمامها إلى أمور أكثر أهمية»، كما يؤكد في حديثه للصحافة. ويشكك بعضهم في أجواء التصالح التي يختتم بها البرنامج باعتبارها مفتعلة. ولا تنفي نسيمة الحر في حوار على موقع القناة أن البرنامج لا يبلغ مسعاه دائماً، وتقول إن «الجلوس على طاولة واحدة، لطرح المشكلة والتحاور فيها، هو مكسب حقيقي وخطوة مهمة على درب التصالح، ولو لم يتم ذلك خلال مدة الحلقة». ويتابع البرنامج تطورات كل حالة بعد حضورها الى البرنامج، اعتماداً على وسائل الإقناع النفسية والقانونية. ويسعى بحسب معدته ومقدمته إلى رد الاعتبار ل «ثقافة الحوار والصلح» التي هي «جزء من الثقافة المغربية لتفعيل موروث معرض للتلاشي مع ميول الناس إلى النزعة الفردية».