بالأمس، كانت زيارة واحدة لأي من المطاعم الدمشقية تكفي لملاحظة أن نسب المدخنين من السوريين باتت تشكل أرقاماً «قياسية»، والأمر لا يقتصر على المطاعم التي تقدم النرجيلة كأولى خدماتها، فحيثما توجهت الأنظار تجد علب السجائر حاضرة ومتوافرة بين الأيدي حتى في الأماكن التي من الصعب أن يتقبل المنطق وجود المدخنين فيها، مثل المستشفيات أو النوادي الرياضية. لكن عادة التدخين قد تصبح خياراً صعباً بالنسبة الى بعض السوريين بعد أن أصدر الرئيس بشار الأسد في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري مرسوماً يقضي بمنع التدخين ومنع بيع منتجات التبغ وتقديمها في الأماكن العامة، إضافة إلى منع الإعلان والدعاية عن منتجات التبغ وتعاطيه. والقرار الذي يحدد منع التدخين في الأماكن العامة في شكل واضح، اعتبر أن من شأنه الحد من معدل استهلاك التبغ وبالتالي تقليل الضرر على المواطنين، وعلى الأخص لكون القرار جاء بعقوبات مشددة على المخالفين، اذ تصل عقوبة من يخترق هذا القانون من أصحاب المحال العامة والفنادق إلى دفع غرامة 40 ألف ليرة سورية (870 دولاراً)، فيما تصل عقوبة المدخنين من مرتادي هذه المحال في حال المخالفة إلى 5 آلاف ليرة (108 دولارات). واعتبرت هذه العقوبات المشددة ضرورية لدفع المواطنين الى اتباع سلوك ايجابي للحد من ظاهرة التدخين المتفشية في المجتمع السوري، وبخاصة في أوساط الشباب. وكانت تقارير نشرت العام الماضي من قبل مؤسسة اجتماعية تعنى بالبحث في الأمور الصحية والاجتماعية في الوطن العربي، أفادت بأن السوريين والتونسيين سجلوا أعلى نسبة شباب مدخن في الوطن العربي. وتعتقد الدكتورة غزوة كيلارجي اختصاصية الأمراض الصدرية أن قرار منع التدخين في الأماكن العامة يصبّ في مصلحة من يؤذي صحتهم التدخين السلبي. وتقول: «خلال السنوات الماضية ازدادت إصابات الأمراض الصدرية وفي مقدمها الربو التحسسي، فعلى سبيل المثال تبين الفحوصات الطبية أن نسباً عالية من النساء الحوامل هن مدخنات سلبيات أي يشاركن المدخنين بيئة واحدة، سواء من خلال زملاء لهن في العمل مدخنين أم في وسائل النقل العامة أم في المطاعم. وهذا يسبب خطورة كبيرة على أطفال الجيل المقبل، منها ارتفاع احتمال إصابتهم بنقص في النمو أو الإصابة بالربو وغيرها من الأمراض، لاحقاً. ويشاركها الرأي الدكتور محمود نديم مميز، رئيس قسم الأمراض الصدرية في مستشفى المواساة سابقاً، الذي يقدر نسبة المصابين بالربو التحسسي، الذي يأتي التدخين على رأس الأسباب المؤدية إليه ب8 إلى 10 في المئة من السكان في سورية، معظمهم من الشباب. وأوضح أن خطورة التدخين مضاعفة بين الشباب، اذ يؤثر على الإخصاب وقد يسبب العقم للشباب الذين بدأوا التدخين في سن مبكرة، عدا عن الإصابة بالأمراض القلبية والسرطانات التي لا تخجل شركات التبغ من التنبيه من خطرها على علب السجائر نفسها، على حد تعبيره. والمرسوم الذي صدر أخيراً سبقته قرارات تصب في السياق ذاته، منها إعلان محافظة دمشق في أيلول (سبتمبر) الفائت إغلاق المحال التي تقدم النرجيلة لمن هم تحت سن الثامنة عشرة لمدة خمسة عشر يوماً. يشار إلى أن التشدد الحكومي في تطبيق قانون منع التدخين يأتي متزامناً مع تأكيد مجلس الإفتاء الأعلى فتوى تحريم التدخين بكل أنواعه. وتأتي هذه القرارات والمواقف الرسمية بعد تزايد ظاهرة التدخين في المجتمع السوري وتنامي عادة تدخين النرجيلة في شكل كبير في المطاعم والمقاهي وعلى الأخص بين الشباب، بعدما بينت دراسة إحصائية رسمية أن 15 في المئة من السوريين مدخنون، أي بحدود 3 ملايين مدخن. ويعتقد اختصاصيون في الطب الوقائي والنفسي أن هذه القرارات قد تفضي إلى الحد من التدخين في حال ترافقت مع حملة توعية وطنية تأخذ على عاتقها تأمين عيادات توفر العلاج الدوائي والدعم النفسي اللازمين للإقلاع عن التدخين.