ضمَّنت الحركة البلوشية، «جند الله»، عمليتها الإرهابية الأخيرة، في 18 تشرين الأول (أوكتوبر)، بإيران «رسالة» سياسية تتصل بأحوال إيران العامة، الداخلية والخارجية. ففي أعقاب 5 أشهر على عملية المسجد الشيعي بزاهدان، في 28 أيار (مايو) من العام الجاري، وهي قتلت نحو 30 مصلياً من الجمهور، اختار الانتحاري البلوشي عبدالوهاب محمدي ساراواني تجمعاً لقادة الحرس الثوري والباسيج (الأمن «الشعبي») ورؤساء عشائر محليين، من السنّة البلوش والشيعة، وأودى بنفسه وبعشرات من هؤلاء. والذين قتلهم الانتحاري البلوشي اختارهم، أو اختارتهم قيادة «جند الله» التي يتربع عبدالمالك ريغي في مشيختها وقيادتها. فغداة الانتخابات الرئاسية في الوقت الفاصل بين عمل مسجد زاهدان الإرهابي وبين العملية الانتحارية في مدينة بيشين، أوكلت الحكومة الإيرانية الى الحرس الثوري إدارة محافظة سيستان - بلوشستان وحكمها مباشرة. وعسكرة الإدارة المدنية الحكومية في المحافظة الحدودية، المتاخمة بلدين خطرين هما باكستانوأفغانستان المضطربتان،جزء من بسط الحرس الثوري نفوذه المحلي، بعد خروجه «منتصراً» من المعركة الرئاسية التي خاضها على النحو الذي خاضها عليه، تهديداً وترهيباً وانتهاكاً وتزويراً. ومشاركة عدد من أعلى ضباط الحرس رتبة، على الصعيدين الإيراني الوطني والمحلي، في مصالحة مذهبية، أهلية وعشائرية، قرينة على الدور الجديد الذي يضطلع به ضباط الباسدران في الإدارة المحلية والمدنية. وقرينة أخرى، أمنية وقبيحة على دور الحرس في المحافظة الحدودية، هي عدد القتلى المحليين الذي خلفه تدخل الإدارة الحرسية فيها. ففي البيان الذي أذاعه موقع «إسلامي» غداة العمل الإرهابي، أحصى «جند الله»، في أثناء العام الجاري، مقتل «مئات من شباب محافظة (سيستان - بلوشستان) في غارات أو تحت التعذيب أو إعداماً». و «جريمة» مئات القتلى هؤلاء هي «أنهم من السنّة والبلوش»، على قول البيان، والاغتيال والإعدام والتعذيب من وسائل الجهاز الأمني الأثيرة. ويتولى الحرس في المحافظة السنية، الى مهمات «سياسية» وإدارية وأمنية، مهمات اقتصادية. ففي أثناء تعزيته أهالي الضحايا ذهب علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى ومنافس محمود أحمدي نجاد سابقاً وشقيق رئيس السلطة القضائية الجديد الذي ناصر السلطة الحرسية النجادية بعد تحفظ قصير، ذهب الى أن «هدف الإرهابيين الإخلال بالأمن والاستقرار» في المحافظة الشرقية الجنوبية. وهذا لهجت به ألسنة القيادات الحرسية والسياسية كلها. ولكن لاريجاني زاد على التعليق الشائع ملاحظة انفرد بها، فقال: «وهذا يدل على انهم لا يريدون أن تتطور المحافظة على الصعيد الاقتصادي». وخلص من هذا الى أن «الحرس الثوري سيرد، ويفرض الأمن في المنطقة بقوة أكبر من القوة السابقة». ويكاد يكون تصريح رئيس مجلس الشورى «وشاية» مزدوجة، أمنية واقتصادية. وتولي الحرس الثوري، وهو قوة عسكرية وأمنية استخباراتية وسياسية حاكمة، وظيفة اقتصادية في محافظة تقطنها أقلية قومية ومذهبية مقهورة وفقيرة، وهي باب واسع من أبواب تهريب المخدرات من البلدين الجارين المضطربين، قد يكون التولي هذا إجراءً يعظِّم ثقل الحرس في السيطرة على المحافظة وأهلها، ويجمع في يده مقاليد الأمر كلها. ويتفق هذا وتعاظم ثقل الحرس الاقتصادي على صعيد إيران كلها، ووضع يده على مرافق وموارد عامة أهمها مناقصات القطاع العقاري والبناء والمنشآت والنقل، الى قطاع الصناعات الحربية. وحال وقوع العملية الإرهابية لم يتستر الحرس الثوري على صدارته الأمنية والديبلوماسية السياسية. فأذاعت وزارة الداخلية الخبر، واقتصرت على وصف الحادثة، وإحصاء عدد الضحايا، ووعدت بالقبض على «منفذي العمل الإرهابي». ولم يذهب الرئيس الإيراني نفسه أبعد من تقرير وزارة الداخلية. فطلب الى «السلطات الإيرانية (...) ضبط المسؤولين عن الهجوم ومعاقبتهم (على ارتكابهم) جرائم في حق الإنسانية». واعتدال أحمدي نجاد الحقوقي والقانوني مدعاة دهشة. ففي الأثناء كان الحرس الثوري يذيع بياناً ينسب الى «قوى الاستكبار العالمية»، أي الولاياتالمتحدة وبريطانيا، «تحريض عملائها» على المقتلة. وثنَّت قيادة القوات المسلحة، فحمَّلت «إرهابيين يساندهم الشيطان الأكبر أميركا وحليفتها بريطانيا»، بالاسم، المسؤولية عن الواقعة. واقتفى «السياسيون» آثار البيانين العسكريين. فسمى علاء الدين بُروجردي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية الشوروية النافذ، الولاياتالمتحدة. و «اعتدل» علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى، فاقتصر على تحميل «نتيجة أعمال الولاياتالمتحدة» التبعة. وانتهز الفرصة ليزين كلامه بصورة خطابية حاسمة، فقال: «أوباما قال إنه يرغب في مد يده الى إيران، وها هو يحرقها في العمل الإرهابي هذا». وغفل قادة إيران الحرسيون، ورجالها السياسيون، في نشوة انتقامهم اللفظي من «الشياطين» التقليديين، والتنديد بهم، عن محل التهمة الأول والبارز، وهو الجار الباكستاني، على وجوهِ جوارهِ الكثيرة، الجغرافية والمذهبية والقومية والأمنية الاستخبارية. فلم ينتبهوا الى مترتبات الجوار الكثيرة، وذرائعه، إلا تالي يوم العمل الإرهابي. ودار على مستوى الرئيسين، الباكستانيوالإيراني، حوار حاكى «الحوار» السوري - العراقي غداة «الأربعاء الأسود» ببغداد في 19 آب (أغسطس)، وقبل «الأحد الأسود» في 25 تشرين الأول. فقال أحمدي نجاد ان «إقامة عناصر إرهابية معادية لإيرانبباكستان لا مسوغ له ولا مبرر». وشأن نوري المالكي، طالب الرئيس الإيراني زميله الباكساني باسترداد البلوش الإيرانيين المقيمين بباكستان. وسكت أحمدي نجاد عن أفغانستان، وعن طالبان وزيرستان وقندهار الذين جردت عليهم إسلام آباد قبل يوم واحد حملتها الكبيرة والحاسمة. وبدا، في اليوم الثاني على الهجوم الانتحاري، أن سفير باكستانبطهران لم يعد الى سفارته منذ ان اضطر الى تركها، ومغادرة طهران الى بلاده، غداة جريمة زاهدان ومسجدها في 28 أيار. وآذن هذا طبعاً بالشك في مسؤولية «عناصر» باكستانية. ولكن قادة الحرس، على مراتبهم، وأنصارهم المباشرين من الساسة، عوضوا الغفلة عن إسلام آباد في اليوم الأول، فزعموا، على شاكلة محمد علي جعفري، جنرالهم العام، أن في حوزتهم «وثائق» تثبت تنسيقاً بين «جند الله» وبين أجهزة استخبارات أميركية وبريطانية وباكستانية. ووعد بإرسال «أدلة» على مسؤولية عبدالمالك ريغي، قائد «جند الله»، عن الهجوم. وهو قال لتوه انه يملك «وثائق» تدين من هم وراء ريغي وفوقه. فإذا به يتواضع في الجزء التالي من مهمته، ويقصر «أدلته» على الرجل الذي أعلنت منظمته فور ارتكابها المقتلة مسؤوليتها عنها. وكرر قائد قوات الحرس البري، محمد باكبور (وهو خسر نائبه في التفجير الانتحاري، الجنرال شوشتري)، تهمة قائده العام. وأضاف إشارة سياسية لم يسبقه أحد اليها، ولم يكررها أحد بعده. فقال ان «أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا يمكنهم قبول الوحدة في البلاد». وهذا تعليق أو ذيل على الانتخابات الرئاسية التي شقت الإيرانيين وفرَّقتهم، وقسمتهم على دور الباسدران، واستيلائهم على الجمهورية، واستتباعهم المرشد «الفقيه». فتوسل القائد الحرسي بالمجزرة التي أصابت سلكه العسكري والأمني الى تنصيب السلك ولياً على الإيرانيين الذين قسمهم سلكه. وعقّب بيجان فروزشي، نائب سيستان - بلوشستان في مجلس الشورى، على تلويح باكبور ب «رد ساحق قاس ومدمر» على المنظمة البلوشية المذهبية والقومية الإرهابية. فزعم انعقاد «إجماع» على تولي قوات الحرس الثوري والباسيج الرد هذا، وعلى «إجراء عمليات (الرد) في الأراضي الباكستانية». ويتخطى التصريح المرتجل والمهوِّل «صلاحيات» وزراء الخارجية والحرب (الدفاع) والاستخبارات والأمن القومي، الى «صلاحيات» رئيسهم وهو رئيس الجمهورية، في نظام تختلط فيه الصلاحيات اختلاطاً ذريعاً. ويسع فروزش قول ما قال، وتوريط النظام في مزاعم ونوايا وخطط تصمه بالخفة في أحسن الأحوال وبالعدوانية الخطرة في شرها، بينما الوزراء ساكتون. وبعضهم منشغل بمفاوضات فيينا في رعاية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وحفز سكوت السياسيين المفترضين، وهم ظهروا في المناسبة موظفين في مراتب ثانوية يتولى مراتبها الأولى لفيف ضباط وقادة أجهزة لا يُسألون، حفز الضباط على الكلام على المثال غير المسؤول نفسه. فتوالى على الكلام قائد القوات المسلحة حسن فيروزآبادي، وقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري (وهي صاحبة اليد العليا في العراق ولبنان وغزة وربما في اليمن) قاسم سليماني، ونائب القائد العام لقوات الحرس حسين سلامي، ويد الله جواني، رئيس المكتب السياسي في الحرس، ومحسن رضائي، أحد آباء الحرس، ومسعود جزائري، مساعد رئيس هيئة أركان القوات المسلحة. وحين خرج وزير الخارجية منوشهر متكي عن صمته، في اليوم الثالث على الحادثة، نوه ب «حدود الصداقة» التي تجمع باكستانوإيران. ولكن قادة الحرس عادوا، في الأثناء، الى التنديد ب «ملف الولاياتالمتحدة وإسرائيل الإرهابي» (فيروزآبادي) و «أعداء الأمة الإيرانية» (سلامي)، بينما كان مندوب إيران الدائم الى الأممالمتحدة يطلب الى الهيئة الدولية إدانة الهجوم. وهذا ما بادر اليه مجلس الأمن، مجمعاً، بعد يومين. وحمل قادة الحرس بعض الجمهور الإيراني من أنصارهم الخلَّص - وهؤلاء شيعوا قتلى الهجوم في الزي العسكري فحيوا في الذين سقطوا المقاتلين المحترفين وليس المواطنين - حملوهم على تحقيق تهمتهم، وتوسيعها جزافاً. فتظاهر مئات من الطلاب الجامعيين في 20 تشرين الأول إنكاراً، على قولهم، «للأعمال الإرهابية في محافظة سيستان - بلوشستان والاعتداءات المتواصلة على المسلمين (الزيديين الحوثيين) في اليمن»، على مقربة من سفارة المملكة العربية السعودية بطهران. وجمعوا الولاياتالمتحدة وبريطانيا والمملكة و «الكيان الصهيوني» و «الإرهابيين» في حزمة واحدة. ونسوا باكستانوأفغانستان وطالبان والبلوش والأحوازيين (جبهة تحرير الأحواز) العرب والأكراد من أنصار «بيجي» الذين يقاتلونهم في شمال العراق الشرقي. وصادف «النسيان» هذا، شأن الغفلة عن باكستانوأفغانستان في اليوم الأول، اغتيال شرطيين في مدينة إيرانشهر بمحافظة سيستان - بلوشستان إياها، يوم التظاهر. والاغتيال هذا هو الحلقة الثانية - من اضطرابات المحافظة. وفي 25 من الشهر نفسه، اغتال مسلحون محافظ المحافظة العتيدة بباكستان. والحرسيون والباسيج ينددون بمفاوضيهم، ويسكتون عن أعدائهم المباشرين. واستوقف الشطط والتخبط هذان بعض الصحافة التركية. فطهران تنتظر زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل نهاية تشرين الأول. وعلق أردوغان على الحادثة تعليقاً قريباً من تعليق الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف. فدعا الى التعاون على مكافحة الإرهاب. وربطت «يني شفق» «الإدعاءات» الإيرانية في «تورط أجهزة استخبارات غربية وأميركية» في العمل الإرهابي البلوشي، بمسعى (حرسي) يرمي الى عرقلة التقارب التركي - الإيراني. ونوهت الصحيفة بعدد الاتفاقات الكبير الذي تؤذن زيارة أردوغان بتوقيعه، ويترتب عليه خطو إيران خطوات على طريق «الاندماج في المجتمع الدولي» من طريق تركيا، وعلاقاتها الدولية ومكانتها، على قول الصحيفة. وتستدل الصحيفة على صدق رأيها في المسعى الحرسي الموارب بالقول إن إلقاء الشبهة على الأجهزة الغربية والأميركية يصيب دولاً، منها تركيا بل أولها تركيا، تربطها علاقات متينة بالولاياتالمتحدة وأوروبا وإسرائيل. وسبق للحرس الثوري أن ألغى، عنوة، عقد بناء مطار رسا على شركة تركية في نهاية ولاية خاتمي الثانية، وتولى هو، عنوة كذلك، إنشاء المطار. وتذرع بالعلاقات التركية الإسرائيلية الى تسويغ الإلغاء، والى الاستيلاء على المرفق. وعلى هذا، فالتهمة الأمنية التي يلوح بها الحرس الثوري الحاكم في الشاردة والواردة، ويرفعها وكلاؤه في «حركات التحرر» العربية الى مرتبة العقيدة السياسية و «الدينية»، حجر أساس في بنيان السياسة الإيرانية، الداخلية والخارجية، التي تقودها دوائر الحرس وقياداته المستولية الكثيرة. ويصيب الدوائر هذه عَرَض التسلط الإمبراطوري. ويقود العَرَض «أمراء» الجيش العقائدي الحاكم وموظفيه الى جمع حروب الاستيلاء والسيطرة التي يخوضها على جبهات داخلية وإقليمية كثيرة في جبهة واحدة يتولى «الأمراء» قيادتها. فالمسألة البلوشية جزء من المسائل القومية والمحلية المتخلفة عن شكل «الدولة»، وهو السلطنة الجامعة ولايات شبه مستقلة. والولايات هذه، وبالأحرى المتطرف منها شأن بلوشستان، تربطها ببعض ولايات الدول المجاورة، حيث يقيم قوم واحد ومتصل، روابط أقوى من روابطها الوطنية والسياسية المفترضة. والحق أن «جند الله» ليسوا منظمة انفصالية، ولا استقلالية ذاتية، على خلاف نظيرها البلوشي الباكستاني العلماني. وهي حركة طائفية ومذهبية أولاً، وتطالب بالمساواة القانونية والأمنية بين السنّة (وهم بلوش في الولاية الحدودية هذه) وبين الشيعة. وهؤلاء بعضهم سكان محليون، وبعضهم الآخر من الغالبية، وعلى وجه الخصوص الموظفون الكثر. وتستمد الحركة الأهلية المحلية من التربة البلوشية عوامل تنشيطها وتجديدها. فهم قوم (شعب عرقي) مقسَّم بين ثلاثة كيانات سياسية متنازعة على مقادير متفاوتة، ومنذ زمن سحيق. وتُعمِل السياسة الإيرانية شيعةَ قوم الهزارة، حول مدينتي فرح وشنداند، في أغراضها الأفغانية، على نحو ما تعمل شيعةَ باكستان في أغراضها الباكستانية. والإعمال هذا أهلي وانفصالي، وتقايض به طهران حصص نفوذ حيث تسنح لها الفرصة. وهذه تسنح حين ترتخي الدولة الوطنية، وحيث ترتخي. وتوازن السلطنة الإيرانية الحرسية بين مضار ارتخاء الدول الجارة، وارتداد فوضاها عليها حركة انفصالية وإرهاباً متفشياً وتهريباً وفساداً، وبين فوائدها، نفوذاً وصفقات وفساداً. ويقيم بلوش إيران (وباكستانوأفغانستان) في بلاد متصلة تجمع الصحراء، الفقيرة بالاتصالات في البلدان الثلاثة، الى تضاريس الجبال. ففي معظم بلوشستان، على جهتي خطوط الحدود، يبلغ علو السهوب الصحراوية 500 متر الى 3 آلاف متر. وتغذي الأرض ونتؤها المنازع الاستقلالية، وتزيد عاملاً جغرافياً قوياً الى عوامل الهويتين، القومية والطائفية، والقهر الأقلوي والفقر والتهميش. ويتشارك البلوش الأحوال هذه مع أقوام رقعة جغرافية شاسعة يختلط فيها الطاجيك بالهزارة والبشتون، ويحفها شمالاً الأوزبك والتركمان. وانتشار الحركات «الطالبانية» في الدائرة هذه يتغذى من روافد مشتركة لا تعف عن البلوش، وتخلط البنية القبلية والقروية والقومية والطائفية بالعزلة والطرفية الجغرافيتين ومقاومة السلطة المركزية وقهرها «الأجنبي». فتهمة الحرس الثوري الدولة الباكستانية، أو بعض أجهزتها الاستخبارية العسكرية المتواطئة مع طالبان الأفغانية على محاربة كابول ورعاتها الأطلسيين والأميركيين، تهمتها بتدريب «جند الله» وتمويلهم وتسليحهم (على قول الخبير حسن رضائي) وقيادتهم، جائزة ومتناقضة معاً. ومصدر جوازها هو تصدع الدولة الباكستانية وضعف تماسكها. والتهويل على باكستان (وليس على أفغانستان) بالحرب، وإعمال «حق الملاحقة» والمطاردة داخل أراضيها، ضرب من هذيان العظمة وفصامها، وعرض من أعراض الداء الحرسي. وهذه الأعراض تتفرع عن أصل امبراطوري مشترك. فتُحمل المسائل الناجمة عن نزاعات كتل السلطة، والخلاف السياسي الأهلي، وسوء الإدارة السياسية العامة، والتلكؤ في التصدي لمخلفات السلطنة في سوس الأقليات، والانخراط في تطييف القضايا الإقليمية وإنشاء الولايات في قلب الدول الوطنية، الى التدبير الاقتصادي البائس - تحمل المسائل هذه كلها على مسألة واحدة هي صدارة الحرس الثوري النظام السياسي والأمني والعسكري الإيراني. وينزع الحرس الى اختزال سياسة بلد كبير ومعقد ومحوري مثل إيران في قيامه على «الاستكبار»، وبسط قبضته الفظة على دوائر الدولة والمجتمع الإيرانيين. والانتخابات الإيرانية الأخيرة أثبتت أن القبضة هذه أصابها التآكل إصابة قاتلة. * كاتب لبناني