لا يقتصر الجانب الإنساني في مسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز على المواقف الشخصية التي سجلها مواطنون ومقيمون التقوا به خلال أعوام طويلة من عمله الإداري أميراً لمدينة الرياض، إذ إنهم يؤكدون أن هذه المواقف الإنسانية كانت في مجملها قرارات إدارية نظامية، وفي أحايين أخرى تنمّ عن ذاكرة قويّة، وتقدير لجهود المواطنين ودورهم في خدمة مليكهم ووطنهم. وأكد مواطنون ومقيمون في حديث مع «الحياة»، أنّ تلك المواقف كانت في غالبها عفويّة، وتوجيهات إداريّة مكّنتهم من التغلب على مشكلات عويصة تعرضوا لها، أو كانت تقديراً شخصياً من جانب خادم الحرمين الشريفين (أمير الرياض آنذاك) لمواقف سابقة جمعته بأهاليهم وذويهم. ويروي الضابط المتقاعد علي بن معدي العتيبي ل«الحياة» قصته قائلاً: «كان والدي معدي بن باروك العتيبي مديراً لشرطة الزلفي برتبة رائد منذ عام 1393 إلى 1395ه، وتوفي وهو على رأس العمل، وجاء أخي محمد لمراجعة في مدينة الرياض، وقدم على الإمارة، وطلب مقابلة الأمير سلمان مع المواطنين، وكان ذلك عام 1408ه، فلما اطلع خادم الحرمين على معروضه آنذاك، وبعد 13 عاماً من وفاة الوالد، طلب من أخي الحضور، وسأله إن كان والده هو مدير شرطة الزلفي؟ فأكد أخي ذلك، متعجباً من قدرة خادم الحرمين على تذكر أحداث قديمة ودقيقة مثل هذه، وما كان من أمير الرياض (آنذاك) إلا أن استقبل القبلة ودعا للوالد معدي بن باروك قائلاً: (اللهم اجعل عظامه في الجنة)، وخاطب أخي قائلاً: (يا ولدي، إن كنت تريد العلم، اسلك مثل أبيك)». ويضيف: «ولهذا فإن هذه الوصية التي حصلنا عليها من خادم الحرمين الشريفين قبل حوالى 30 عاماً لا نفرط فيها ما حيينا، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على وفائه وتقديره لرجال الدولة الذين خدموا وطنهم، وحرصه على تثمين جهود العاملين في القطاعات الأمنية، وخصوصاً الأمن العام». من جهته، وفي اتصال مع «الحياة» أبدى مدير مبيعات مؤسسة الفوزان للكومبيوتر إبراهيم بن حيدر النجدي رغبته في حكاية موقف إنساني جمعه بخادم الحرمين الشريفين، أثناء شغله منصب أمير مدينة الرياض، وقال: «اللافت في لقائي أنا مدير المبيعات البسيط مع خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميراً لمدينة الرياض أنه يتجلى في ذلك اللقاء قربه حفظه الله من كل من عاش أو سكن هذه البلاد الطاهرة من مواطن أو مقيم، ورأيت في ذلك الموقف حرصه الشديد ألا يضيع عنده حق أو يهضم مظلوم يصل صوته إليه». ويتابع: «تعرض محل الكومبيوتر الذي كنت أديره لعملية سرقة من أشخاص ينتحلون أنهم إداريون لدى أحد الوجهاء، وطلبوا مني مجموعة من الأجهزة المحمولة المتقدمة باهظة الثمن بنحو 40 ألف ريال، وطلبوا مني أن أسلّمها لهم في فندق مشهور بالرياض، وزعموا أن الوجيه الذي يمثلونه من سكان جدة ويقطن ذلك الفندق موقتاً، ولزيادة التحفيز أخبروني أن سفره سيكون بعد أربع ساعات وكنت استغربت من هيئتهم قليلاً، ولزيادة التأكيد اتصلت بعد خروجهم بالفندق وسألت موظف الاستقبال عن وجود الشخصية المذكورة ذاتها في الفندق، فأجابوني بأنه نعم يوجد حجز باسم فلان، وكان هؤلاء المخادعون حجزوا هذا الجناح باسمه من أجل تدبير سرقاتهم، وحددوا لي رقم الدور والجناح، ولأنني لم أكن متوقعاً أنني عرضة للخداع من هؤلاء النصابين، وأنهم حصلوا على حجز باسم الشخصية من أجل التمويه علي، من أجل ذلك زالت الشكوك، وقمت بتجهيز ما طلب مني مباشرة وذهبت للفندق وبرفقتي أحد الزملاء، واستقبلني شخص بلباس غاية في الأناقة وقدم لي القهوة والتمر فاستحسنت طيب الضيافة ووجدت الشخص الذي جاءني في المحل سابقاً وقال لي إن الوجيه في هذه الغرفة وينتظر الأجهزة التي يريدها لأبنائه، ولم يسمح لي بالدخول نهائياً». قالوا لي «اطلب مقابلة الأمير»! وزاد: «بعد ذلك رجع وأخبرني أن الوجيه الذي ذكروا لي اسمه أعجب بالأجهزة، وخيرني في ثمن البضاعة، وقال: هل تريده عن طريق شيك مصرفي أو نقداً؟ فاخترت النقد، وعندها أخذ الفاتورة ودخل الغرفة وأنا ما زلت منبهراً بجماليات المكان ومنظر الفواكه والتمور ورائحة البخور، وبينما أنا كذلك استبطأت الرجل وشعرت بتأخره فاتصلت بجواله ووجدته مغلقاً، وذهبت إلى الغرفة أطرقها فلم يجب أحد، وفتحت بابها فإذا هي خاوية من البشر، وهرعت لموظفي الاستقبال وسألتهم، فأبلغوني أن الأشخاص الذين حجزوا الجناح غادروا الفندق قبل قليل، واتصلت بالشرطة وكان حضورهم عاجلاً، ولكنهم لم يجدوا أي أثر لهم، وبعد شهرين من الكارثة التي حلت بي استشرت صاحب المحل الذي أعمل فيه، فقال لي اكتب خطاباً وتوجه إلى إمارة الرياض، واطلب مقابلة الأمير سلمان شخصياً». ويتابع: «وبالفعل أخذت بما أشار به علي وكتبت خطاباً وتوجهت إلى الإمارة، وقال لي الموظفون بعد أن قرأوا خطابي: انتظر معنا وصلّ الظهر مع الأمير، وبينما أنا في المصلى، إذ سمعت صوتاً أجشّ جهورياً، فإذا برجل مهيب طويل القامة لم يسبق لي رؤيته إلا في التلفاز والصحف، وإذا هو أمير الرياض سلمان بن عبدالعزيز، وبعد الصلاة دخل الناس زرافات ووحداناً إلى المجلس، وفجأة سمعت الصوت نفسه ينادي باسمي، فتوجهت إليه وسلمت عليه وكان قرأ كل ما كتبته في رسالتي، فسألني عن التفاصيل، فأعدتها عليه كما ذكرتها، أخرج قلمه وهمش على خطابي، وصاحبني أحد المرافقين لتصدير الخطاب، ثم أخذته لمدير مركز الشرطة الذي تفاعل بشكل ملموس مع توجيهه». ويروي مدير المبيعات إبراهيم النجدي بقية التفاصيل: «كان هذا يوافق يوم الإثنين، وبعده مر يوم الثلثاء، وفي صباح يوم الأربعاء اتصل بي مركز الشرطة وقال لي تعال وخذ مفقوداتك، وذهبت فوجدت كل البضاعة كما هي، لم تفتح أو يستخدم شيء منها، ورأيت الجاني الذي تلاعب بي تم إحضاره مكبلاً مع صديقه صاحب كرم الضيافة، وثالثهم موظف الاستقبال بالفندق الذي سهل لهم تلكم المهمة، وبعد الاستقصاء عرفت أنهم جميعاً عصابة حبكت هذا الدور». ويختتم قائلاً: «خرجت من مركز الشرطة فرحاً مستبشراً، رد الله لي ضالتي، وكان السبب في ذلك رجل العدل والإنصاف القائد المحنك المهيب خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ورعاه وسدد للخير والحق والتوفيق خطاه». الأمير نايف عن إنسانية أخيه: مسيرته مآثر وحافز للآخرين تفيض مسيرة الملك سلمان بن عبدالعزيز التي يتناولها كتاب «سلمان»، الصادر عن مؤسسة التراث الخيرية برئاسة الأمير سلطان بن سلمان، بلقطات إنسانية كثيرة وردت في سيرة خادم الحرمين الشريفين (ولي العهد السعودي الجديد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز حينها) بالكلمة والصورة، وهو ما علق عليه الأمير نايف بالقول: «في هذا الكتاب تقدم المؤسسة لفتة وفاء للأمير سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع، وترصد بعضاً من الجوانب التاريخية لمسيرته المليئة بالإنجازات، التي بدأتْ مُعايشتي لها عند دخوله معترك العمل السياسي، إذ عمل بالنيابة عنِّي حينما كنتُ أميراً لمنطقة الرياض، حينذاك أيقنتُ أن همّته ستبلغ به المُنى يوماً ما، فكان له بفضل الله ثم بعزمه ما أراد». وأضاف: «عَلِمَ أن سعة المعرفة سلاح الحاضر، فحرص على سعة الاطلاع والقراءة في مختلف العلوم، ولهذا وغيره مما اتّصف به من حنكة، وحكمة ودراية، فقد أصبح يمثل ركيزة أساسية من ركائز صنع القرار السعودي، وشريكاً فاعلاً يُستلهم منه الرأي الصائب؛ ولهذا فليس بمستغربٍ أن يدرك المقام السامي الكريم أنّه خير من يخلف سلطان الخير - رحمه الله - في وزارة الدفاع». وتابع الأمير الراحل كلماته في مدح الأمير سلمان بقوله: «إن تخليد ذكرى البارزين، وتسطير سيَرهم وإنجازاتهم دليلُ عرفانٍ على مآثرهم ومنجزاتهم، وحافز للآخرين إلى اقتفاء خطاهم السائرة إلى الرقيّ والرفعة دوماً». إنسانية الملك سلمان.. نبع نهل منه المقيمون أيضاً يعرف السعوديون إنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز جيداً التي طالما كانت المنقذ للكثيرين منهم ساعة الشدائد، في جميع المناصب التي تقلدها وخصوصاً إبان توليه إمارة الرياض. وإن نشرت الصحف بعضاً من القصص الإنسانية التي تعكس تفاعل الملك سلمان لعمل الخير وحرصه على ألا يُظلم إنسان في بلاده المملكة العربية السعودية، فإن ما خفي من قصص إنسانيته أكبر خصوصاً أنها لم تكن حكراً على السعوديين فحسب، بل إنها شملت الكثيرين ممن وطأت أقدامهم أرض السعودية زائرين أو مقيمين. ولعل أسرة صحيفة «الحياة» كانت شاهدة على إحدى القصص التي ضرب فيها الملك سلمان مثالاً للمسؤول الحريص على متابعة كل ما يؤرق الإنسان الذي يعيش على أرض السعودية، وتذليل الصعاب أمامهم ليهنأوا بحياة كريمة. في العام 2006 نشرت «الحياة» تقريراً عن مقيمة فيليبينية احتجزت في سجن الملز بالخطأ، وبعد ما تبيّن لسلطات السجن براءتها مما نسبته إليها إحدى الجهات الحكومية بالخطأ، لم تتمكن من المغادرة بسبب تعذر حضور كفيلها لتوقيع خروجها، كما ينص بذلك النظام في مثل هذه الحالات. ولأن المقيمة كانت أماً ولها طفل رضيع يواظب والده على إحضاره للسجن لزيارة أمه وإرضاعه بشكل يومي، أصدر الملك سلمان (الأمير حينها) قراراً عاجلاً إلى إدارة سجن الملز بإطلاق المقيمة فوراً بغض النظر عن حضور كفيلها من عدمه، الأمر الذي ترك انطباعاً إيجابياً لدى عائلة المقيمة وإعجابهم بإنسانية الملك سلمان الذي دفعته إنسانيته إلى تجاوز النظام المعمول به في مثل هذه الحالات، وإطلاق الأم لتعود لزوجها وابنها الرضيع. ظلت إنسانية الملك سلمان مضرباً للمثل ومثاراً للإعجاب من الجميع كما أشار بذلك ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي قال في تقديمه لكتاب «سلمان» الذي يتناول شخص وحياة الأمير سلمان: «عركته الحياة وتقلّباتها فما زاده ذلك إلا توهجاً وصفاءً، ونهل من معين الوالد المؤسس - طيب الله ثراه - جميل الصفات، وعذب السجايا، وتميز بخصائص قَلّ أن تُوجد في كثير من الرجال، أحبّ وطنه وتفانى في خدمته وخدمة ساكنيه، احترم كبيرهم، وتواضع لصغيرهم، وتجاوز عن مُسيئهم، وقدّر محسنهم، وقرّب مخلصهم، سَاسَ الأمور بحنكة وحكمة، واستشعر أهمية الوقت لقضاء حوائج الخلق، واستخدم فراسته ومعرفته لمعادن الرجال لاصطفاء من يوليه أمراً من أمور الناس، عَلِمَ أن دعْم القرآن وإغاثة الملهوف وذا الحاجة مما يُستجلبُ به رضا الخالق وسعادة المخلوق، وأن الإيثار والأخوّة الحقّة لا تُنالان بالأماني، بل بالتضحية وإيثار الآخرين على الذات، ولعل موقفه مع شقيقيه الراحلين الملك فهد بن عبدالعزيز، والأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمهما الله يجسِّد ذلك المعنى بأصدق صُوَرِه».