حذر خبراء من انعكاسات متوقعة بسبب ما وصفوه ب «الانكماش الكبير» في الاقتصاد العالمي، وشددوا على أنه «بدأ ينعكس في انخفاض أسعار المواد الاستهلاكية العالمية وفي تدني الأجور، وبدرجة أقل في التراجع الطفيف لأسعار الأصول». وخلصوا في تقرير أصدرته «مجموعة بنك قطر الوطني» أمس إلى أن «عدم حفز الحكومات عبر العالم الطلب الإجمالي عن طريق سياسات نقدية مناسبة سيؤدي على الأرجح إلى استمرار هذه التحولات الانكماشية خلال عام 2015، بل وربما أبعد». ولفت التقرير إلى أن الاقتصاد العالمي بدأ عام 2015 في الاتجاه الخاطئ، إذ دفع الانخفاض الحاد في أسعار النفط منطقة اليورو نحو انكماش عام في الأسعار خلال كانون الأول (ديسمبر)، وأدى إلى تباطؤ كبير لمعدل التضخم في اليابانوبريطانياوالولاياتالمتحدة، ولفت إلى أن ما يدعو إلى القلق أكثر هو الإشارات المتزايدة إلى تأثير هذه الضغوط الانكماشية في الأجور وبدرجة أقل في أسعار الأصول، وأكد أن هذا الأمر يقود المستثمرين العالميين إلى مزيد من التحوط ضد انكماش الأسعار من خلال شراء السندات الحكومية الطويلة الأجل، ما يؤدي إلى انخفاض الأرباح إلى مستويات قياسية مستقبلاً. وأضاف: «ما لم تتوقف دوامة الانكماش هذه، يرجح أن يدخل الاقتصاد العالمي في فترة طويلة من انكماش الأسعار أو ما أطلقنا عليه الانكماش الكبير». وشدد على أن الانكماش العالمي «صار اليوم حقيقة لا جدال فيها» إذ انزلقت منطقة اليورو إلى مرحلة التضخم السلبي في كانون الأول 2014 (-0.2 في المئة) على إثر انخفاض أسعار الطاقة. وفي الوقت نفسه سجلت بريطانيا أضعف معدل تضخم (0.5 في المئة) منذ 2000، بينما تباطأ التضخم في الولاياتالمتحدة إلى 0.8 في المئة، وهو أشد تراجع شهري في ست سنوات. وفي اليابان تخطى معدل التضخم بصعوبة عتبة الصفر (0.7 في المئة) في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، باستثناء التأثير الموقت لرفع ضريبة الاستهلاك في نيسان (أبريل). وأشار إلى أن منطقة اليورو ستشهد انكماشاً للأسعار طوال 2015 على رغم تبني البنك المركزي الأوروبي برنامجاً موسعاً للإنعاش النقدي الخميس، وتوقع أن تسقط اليابان مجدداً في الانكماش إذ يؤثر انخفاض أسعار الطاقة في أسعار باقي المواد الاستهلاكية، كما يُتوقع أن تشهد كل من بريطانياوالولاياتالمتحدة تضخماً سلبياً على الأقل لفترة من 2015. وهذا قد يعني أن أكثر من نصف الاقتصاد العالمي سيعيش الانكماش خلال 2015. وقال معدو التقرير إن ما يدعو إلى القلق أكثر هو أن هذه التحولات الانكماشية العالمية بدأت في التأثير في سلوك تحديد الأجور عبر العالم إذ انخفض معدل الأجور للساعة في الولاياتالمتحدة بنسبة 0.2 في المئة على أساس شهري في كانون الأول، وانخفض معدل الأجور بنسبة 0.1 في المئة في بريطانيا على أساس شهري في تشرين الثاني. وأضاف: «إذا ترسخ هذا السلوك، فإن التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار النفط على الاستهلاك ستقابله توقعات منخفضة للدخل المستقبلي، ما من شأنه فرض مزيد من الضغوط على الطلب الإجمالي الضعيف أصلاً. وبالتالي، فإن تأثير انخفاض أسعار النفط على النمو سيكون سلبياً بالتأكيد». وتتزايد أيضاً الدلائل في شأن تأثير الضغوط الانكماشية على أسعار الأصول. وتشير أحدث البيانات المتوافرة، وفق التقرير، إلى انخفاض أسعار المنازل في الصين ومنطقة اليورو واليابان وسنغافورة، وإلى تباطؤ نمو هذه الأسعار في بريطانياوالولاياتالمتحدة مستقبلاً، ويُرجح أن تنخفض أسعار المنازل أكثر إذ يترسخ الانكماش وانخفاض نمو الأجور، ففي لندن، مثلاً، يتوقع سماسرة العقارات أن تنزل أسعار المنازل بنسبة خمسة في المئة، وفق المعهد الملكي للمساحين القانونيين البريطاني. وانخفضت أسعار الأسهم العالمية بنحو خمسة في المئة منذ الطفرة التي شهدتها في بداية تموز (يوليو) 2014، وفق مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق المتقدمة والناشئة العالمية. وعلى رغم أن هذا الانخفاض يظل ضمن نطاق التقلب العادي، هو يشير إلى تأثر تسعير أسواق الأسهم بوقع الانكماش على النمو العالمي.