أثار عقد المؤتمر الثالث للحكومة الالكترونية الذي رعته وزارة الاتصالات والتقنية في سورية، بالتعاون مع «الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية» أخيراً، كثيراً من الأسئلة أطلقها المراقبون حول جدية فكرة مشروع الحكومة الالكترونية وإمكان تنفيذها في سورية. ولم تتردد إحدى الصحف الرسمية السورية في القول ان «البنى التحتية مازالت غير جاهزة وما تزال عقلية (الورقة والقلم) أولاً»، في إشارة منها إلى التمسك بإنجاز المعاملات ورقياً بالطرق التقليدية. وأوردت الصحيفة عينها عدداً من العوائق التي تقف في وجه تحقيق هذا المشروع خلال خمس سنوات مقبلة منها العقلية السائدة بين الموظفين ومصالحهم الشخصية وعدم تطور ثقافة الفكر الخدماتي بين صفوفهم لتصل الى المستوى الذي بلغه قطاع الخدمات عالمياً، إضافة إلى ضعف الخبرة محلياً في تبسيط إجراءات المؤسسات الحكومية، وضعف خبرة مدراء المعلوماتية في الإدارة الرقمية المتكاملة والقدرة على أتمتة العمل الإداري وغيرها. وفي سياق متصل، صرّح الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور ماهر مجتهد بأنه «جرى وضع الأسس وبرامج العمل اللازمة ضمن إطار مشروع استراتيجية الحكومة الالكترونية. وكذلك جرى تحديد الخطوات اللازمة لتنفيذه، وحصر مجموعة الخدمات التي من المستطاع إتاحتها تدريجاً وضمن مراحل زمنية محددة، إضافة إلى تصنيف هذه الخدمات بحسب أولوياتها بالنسبة للمواطن ومدى طلبها». وبالنسبة لكثير من متابعي الشأن المعلوماتي في سورية، بدا من الصعب تجنّب السؤال عن ماهية مشروع الحكومة الالكترونية في سورية، وما هو البرنامج الزمني لتطبيقه، وإلى أي حد تتوافر إمكانات تنفيذه. في استعادة تاريخية وجيزة، من المستطاع سرد المراحل العامة التي تدرّجت فيها التفكير في الحكومة الإلكترونية. فقد أطلقت وزارة الاتصالات والتقنية مشروع الحكومة الرقمية منذ أكثر من خمس سنوات. وعقدت لهذه الغاية ثلاث مؤتمرات كبرى. وركز الأخير منها على الجوانب الفنية والعملية في مشروع الحكومة الالكترونية. وتناول المؤتمر استراتيجية وزارة الاتصالات للحكومة الالكترونية، وخطط تطوير الكوادر البشرية والبنية التحتية التي تُمكّن من وضعها موضع التنفيذ، والحلول والتقنيات اللازمة لذلك، ومشروع بوابة الحكومة الالكترونية في سورية، إضافة الى جهود البحث والتطوير التي يتوقع ان ترافق تطبيق هذا النوع من الحوكمة. وحاول المؤتمر استشراف تجارب عربية وأجنبية ناجحة في تطبيق الحكومة الالكترونية. وفي المؤتمر عينه، أوضح وزير الاتصالات والتقنية السوري الدكتور عماد صابوني أن الإطار العام لمبادرة سورية للحكومة الالكترونية تعتمد على إحداث تحوّل كبير في الإرادة لمكافحة الفساد ومتابعة التطوير الإداري واستخدام التقنيات الحديثة للوصول إلى التنمية المطلوبة. ويتضمن برنامج المبادرة إعادة هيكلية قطاع الاتصالات وبناء قطاع المعلومات للوصول إلى رؤية واضحة للحكومة الالكترونية السورية من خلال تقديم خدمات مُبسّطة للمواطنين عِبْرَ قنوات متعددة. ولاحظ الصابوني أيضاً ضرورة ضمان حماية البيانات الشخصية ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بمعنى وضع الحكومة الإلكترونية في سياق زيادة فعالية العمل الحكومي وشفافيته. وبيّن وزير الاتصالات والتقنية ضرورة استحداث عدد من الأطر لتوفير بيئة هذه الحكومة، في السياسة والتشريع والإدارة والمؤسسات والمال والتنظيم العام. وركّز على ضرورة وجود منظومة تأهيل بشرية وثقافية، إضافة الى صنع بيئة للتواصل تترافق مع نشر بنية تحتية للمعلوماتية. وأوضح أن المقاربة السورية لهذه المبادرة امتلكت الرؤية الاستراتيجية في التنظيم، كما وُضِعَت مسودة استراتيجية لها، مع سجل بالخدمات الحكومية وتصنيفها، تمهيداً لإعداد المواصفات الفنية للبوابة الرقمية للحكومة الالكترونية. في انتظار 2020 تشمل المبادرة السورية في الحكومة الإلكترونية إطاراً زمنياً يشتمل على أربع مراحل. تتضمن المرحلة الأولى (بين 2009 و 2010) تهيئة المعلومات المتعلقة بالحكومة الالكترونية ونشرها، واستكمال البنية التحتية التشريعية والتقنية، ومتابعة بناء بنوك المعلومات الوطنية، واستكمال عمليات وضع الخدمات التي تقدمها الوزارات المختلفة على البوابة الرقمية للحكومة الالكترونية، إضافة إلى إطلاق بعض الخدمات الرئيسة ذات الأولوية كالهاتف الثابت والخليوي ومراكز خدمة المواطن والانترنت. وتشتمل المرحلة الثانية (من 2011 إلى 2013) على وضع أكبر عدد من الخدمات التفاعلية على البوابة الحكومية، وإظهار صورة موحدة للخدمات الالكترونية، والاستفادة من الخدمات المشتركة والربط بين المؤسسات. وتتضمن المرحلة الرابعة (بين 2014 و2020) تحقيق تحوّلات متقدمة في طرق تقديم الخدمات الحكومية بحيث يستطيع المواطن إنجاز المعاملات كافة عبر البوابة الرقمية للحكومة الإلكترونية. وفي الوقت الذي يظهر فيه التوجه الحكومي السوري واضحاً نحو تنفيذ هذه المبادرة، يبدو المواطن العادي وكأنه قد فقد الأمل في إمكان الانتقال إلى هذا النمط الحديث من السلوك المؤسساتي. إذ تتزايد أحاديث المواطنين عن حالات من الفساد الإداري يصعب محاربتها، كما يضطر المواطن إلى تكليف «معقب معاملات» في كل مرة يريد إنجاز معاملة في الدوائر الحكومية مهما كان نوع المعاملة. والحق أن «تعقيب المعاملات» مهنة أفرزها التعقيد والبيروقراطية والفساد الإداري وغياب الأتمتة الحقيقية في المؤسسات. وحاضراً، أصبحت ملاحقة أي معاملة تشكل هماً كبيراً للمواطن. ويشير المراقبون إلى أن الوصول إلى تحقيق هدف الحكومة الالكترونية ليس مرهوناً بعقد الندوات والمؤتمرات، وإنما هو أمر يتطلّب تحقيقه إحداث إصلاحات جوهرية. إذ يفترض أن تشكّل عملية الإصلاح الإداري الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، إضافة إلى ضرورة إجراء تحسينات جوهرية على كل ما له علاقة بشبكات الاتصالات وخدماتها. والمعلوم أن الخدمات الإلكترونية تشكل العصب الأساسي أو البنية التحتية الفعلية من الناحية التقنية. وكذلك تمثّل العنصر المركزي الذي يضمن تحوّل الحكومة الإلكترونية الى أفعال ملموسة في صورة واقعية. وفي هذا السياق، يصعب التغافل عن الشكاوى المتواترة من قِبَل مستخدمي شبكة الانترنت في سورية حتى الآن، من تردي الخدمات التي تقدم عبر تلك الشبكة، وارتفاع أسعارها وتعرضها لانقطاعات وضغوط متكررة على الشبكة وغيرها. ولعل خير وصف لواقع ما يجري بخصوص انجاز الحكومة الالكترونية هو ما أورده احد المواقع الرقمية الإخبارية السورية ومفاده ان «الحكومة الإلكترونية ما زالت (كرتونية) وتتزين بألف باء المعلوماتية».