يطرح العدوان الإجرامي الذي استهدف أخيراً الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد في باكستان، ثلاثة أسئلة أراها بالغة الأهمية في سياق الأحداث التي يعرفها العالم الإسلامي في هذه المرحلة. السؤال الأول هو: هل تدخل هذه العملية الإرهابية في مخطط أشمل يبدأ من القضاء على المدارس الدينية في باكستان بدعوى «تجفيف منابع الإرهاب» وينتهي بالهجوم على إحدى الجامعات الإسلامية الكبرى في البلاد باعتبارها أحد حصون الفكر والعلم والثقافة الإسلامية؟ والسؤال الثاني هو: هل الهجوم على هذه الجامعة يندرج في باب ردّ الفعل على التحرك العسكري الذي تقوم به السلطات الباكستانية في إقليم وزيرستان، لقطع دابر ما يعرف بطالبان باكستان الذين يتخذون من تلك المنطقة قواعد لانطلاق هجوماتهم ضد المنشآت الحكومية الباكستانية؟ والسؤال الثالث هو: هل هي عملية إرهابية تدخل في إطار الصراع المذهبي بين السنة والشيعة، باعتبار أن الجامعة المستهدفة هي أحد معاقل الثقافة الإسلامية السنية؟ يحيلنا السؤال الأول على قضية ما يعرف ب «الحرب على الإرهاب» التي من بعض مظاهرها «الحرب ضد الإسلام»، تأكيداً لما وصفه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش في أحد تصريحاته ب «الحرب الصليبية»، وقيل يومئذ إنها «زلة لسان». فمن معالم هذه الحرب في مفهوم القوى العظمى التي تمسك بالخيوط وتتحكم في زمام الأمور على الساحة الدولية، العمل على محاربة «التعليم الإسلامي»، هكذا على وجه الإطلاق ومن دون تحديد لما هو المقصود من هذا التعليم. وقد تبدى ذلك في السعي الحثيث لفرض برامج تعليمية على عدد من الحكومات في المنطقة، وممارسة الضغط عليها لإلغاء برامج، أو فقرات من برنامج محدد ترى هي أنها تربى على التطرف وتحض على الإرهاب. ومن مقتضيات هذه الخطة المرسومة لما يسمى ب «الحرب على الإرهاب»، القضاء على المؤسسات العلمية والأكاديمية الإسلامية من حيث هي فحسب، حتى وإن كانت معاقل فكرية للاعتدال والوسطية والتسامح، وذلك لانعدام المقاييس الصحيحة التي تميز بين الصالح والطالح وبين النافع والضار. وتلك علامة من علامات الارتباك والتخبط، أو هي نتيجة الاعتماد على مصادر للمعلومات غير آمنة تقود إلى الوقوع في الخطأ والسقوط في المحظور. أما السؤال الثاني فيضعنا أمام الحالة الباكستانية التي تتفاقم يوماً بعد يوم، وتستعصي أحياناً على الفهم، بسبب هذا القدر الكبير من الغموض الذي يلف جوانب من صورة الواقع المحلي والإقليمي. وفي جميع الأحوال، فإن قيام عناصر من طالبان باكستان بالانتقام من السلطات الباكستانية التي تلاحقها في إقليم وزيرستان، بهذا الهجوم الإرهابي على الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، وبالهجوم الإجرامي أيضاً في حالات سابقة، على المساجد أثناء إقامة الصلاة، لا يمكن أن يدخل ضمن خطة مدبرة مدروسة ذات خلفية فكرية، لأن الإسلام يحرم تحريماً قاطعاً، قتل الأبرياء والعدوان على المنشآت والمرافق، ومنها بيوت العبادة وبيوت العلم. إن العقل لا يصدق أن يقوم أفراد أو جماعات تنتمي إلى الإسلام وترفع شعارات إسلامية، بالهجوم الإرهابي العدواني الغاشم الفاجر على المسلمين وهم يؤدون الصلاة، أو هم يتلقون العلم على مقاعد الدراسة. وأما السؤال الثالث، فيرتبط في الذهن بالحدث الإجرامي الذي وقع يوم 17 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، في محافظة سيستان في إيران، والذي استهدف اجتماعاً لشيوخ العشائر وعلماء الدين من السنّة والشيعة، بحضور قيادات عسكرية إيرانية، كان الغرض منه المصالحة بين المسلمين الإيرانيين من الطائفتين. لأن ثمة شبهة الربط بين الحادثين الإرهابيين، كأن يكون حادث إسلام آباد مرتبطاً بحادث سيستان، مما يثبت، على نحو ما، العلاقة بين الجريمتين اللتين انطلقتا من دوافع مذهبية. وفي هذه الحالة يمكن افتراض وجود أطراف أجنبية (أي أجنبية عن المنطقة وعن الإسلام) متورطة في ارتكاب الجريمتين، ولها مصلحة مؤكدة في العمليتين الإرهابيتين معاً. وهو افتراض يتعزز بسبب وجود قرائن كثيرة تثبت أن الحرب ضد استقرار المجتمعات الإسلامية وأمن الدول في المنطقة وسلامتها الإقليمية وسيادتها الوطنية، أخذت تتصاعد في شكل لافت، خلال الفترة الأخيرة، ولها وجوه كثيرة لا تخفى عن المراقبين الملمين بحقائق السياسة التي تنهجها القوى العظمى في المنطقة. إن الانتقال بالعمليات الإرهابية إلى الهجوم على الجامعات منابر الاستنارة ومعاقل المعرفة ومصانع العقول التي ستبني المستقبل، هو بكل المقاييس، تحول خطير في مسار الإرهاب الذي هو في حقيقة أمره، إرهابٌ ضد الإسلام، وضد المسلمين. نحن اليوم أمام هذا التحول الخطير في السياسة الدولية إزاء الأوضاع في مناطق عدة من العالم الإسلامي، الذي ينطوي على محاذير تدق ناقوس الخطر، وتدفعنا نحو مراجعة الذات والعمل على تحصينها من خلال تقوية التضامن الإسلامي الفاعل والمؤثر، وتعزيز العمل الإسلامي المشترك، في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. وليس ثمة من مبرر معقول يسمح باتخاذ الموقف المتهادن المتراخي غير واضح المعالم، من هذه الموجة العاتية من الأحداث الإجرامية الإرهابية التي تهز استقرار أكثر من بلد إسلامي في منطقة غنيّة ومهمّة يطمع فيها خصوم السلام والأمن والتعايش بين الشعوب والحوار والتسامح بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات. فالهجوم على الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام آباد، التي هي إحدى الجامعات التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي والتي أشرف بكوني عضواً في مجلس أمنائها، يدل على دخول الإرهاب مرحلة جديدة سيكون لها ما بعدها، تستدعي أن نكون حذرين للغاية، وأن نبادر إلى نبذ الخلافات والخصومات، وأن نتعاون على التصدي للأخطار التي تحدق بالأمة الإسلامية وتهدد أمنها واستقرارها وسيادتها ومستقبل أبنائها. فالوضع في العالم الإسلامي برمّته جدّ خطير، وفي حاجة إلى حكمة العقلاء وبعد نظر العارفين المخلصين. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة – إيسيسكو