يرتسم ليل اليمن على صور شتى تصوغها طبيعة التمايز الجغرافي والثقافي للبلد. فالمدينة الساحلية في اليمن، تختلف عن المدينة الجبلية في جوانب عدة بينها كيفية التعامل مع الليل وتقدير معنى الترفيه. ولئن بدا الليل في صنعاء قصيراً ومحدوداً لجهة مجالات الترفيه، لكنه قد لا يكون كذلك في مدن ساحلية مثل عدن والحديدة أو معتدلة الحرارة كتعز. ومن العوامل التي تحول دون انفتاح الشباب اليمني على مجالات الترفيه الحديث طبيعة المجتمع التقليدي وشيوع بعض العادات المتوارثة وأولاها جلسات تخزين القات، إضافة إلى موجات انفتاح السلطة الحاكمة أو انغلاقها، ما يضع المدينة اليمنية بعمومها في ذيل قائمة المدن بالنسبة الى توافر مجالات الترفيه والتسلية للشباب المقيمين والوافدين على حد سواء. فحتى مع افتتان السياح الاوروبيين باليمن عموماً وصنعاء خصوصاً، لم تسع السلطات الى ترسيخ بنية تحتية للترفيه. وبحسب رفعي (27 سنة)، فإن ليل صنعاء «بائس» إلا لقلة غنية وقادرة على اختراق حواجز الممنوعات. وقال رفعي الذي اعتاد أن يقضي فترة المساء مع أصدقائه في مقهى في شارع الزبيري: «ما ان يحل الليل حتى تقع صنعاء على وجهة مختلفة تبدو وكأنها من نسيج القرون الوسطى»، موضحاً أن هذه الصفة لا تقتصر على فترة حلول الظلام بل وعلى فترة العصر أيضاً «فلا خيارات أو بدائل أمام من لا يتعاطى القات او يرغب في التوقف عنه». ولعل في شلل الحركة وتقلص وسائل المواصلات العامة ما يؤشر الى حال ليل المدينة اليمنية. فلحظة تتلاقى العقارب الثلاثة للساعة عند الثانية عشرة ليلاً تكون شوارع صنعاء خلت تقريباً من المارة وأقفلت معظم محالها التجارية. ولا شك في أن الفتيات هن الأكثر معاناة من هذا الوضع. وربما كان هذا وراء تزايد عدد الطالبات الجامعيات اللاتي يتعاطين القات. وترى سامية (30 سنة) أن الليل يكاد يكون «سوراً آخر يطبق على ذهنية اليمنيين كما كانت الحال مع مدينة صنعاء القديمة خلال حكم الأتراك، إذ تغلق أبواب المدينة على سكانها مع حلول الظلام». وقالت إن الأمر يتعلق بثقافة عامة وسلوك يحكمان حياة الناس الذين في مقدورهم خلق فضاءات ترفية لو هم فعلاً رغبوا في ذلك وشعروا بالحاجة الفعلية، سواء وضعت قيود رسمية أم لا. وأوضحت ان على رغم الفصل الحاد بين الذكور والإناث في كثير من البلدان العربية والقيود الشديدة على المرأة، إلا أن ذلك لم يحل دون بروز النساء كجزء من مشهد التنزه والترفيه في هذه البلدان، خصوصاً في مراكز التسوق والمطاعم، في حين لا يزال بعض اليمنيين يعتبر أن خروج الفتاة مساء «غير لائق». السهر يعني ارتكاب المعاصي؟ وثمة من يربط بين الليل ومفهوم الطاعة والمعصية. ويقول جلال ( 25 سنة) ان بعض الأسر تنظر بعين الريبة في حال تأخر ابنها خارج المنزل، وتتوجس من أن يكون وقع في معصية مثل شرب الخمرة. هذا إضافة إلى شكوك السلطات الامنية التي ينتج منها تفتيش ودهم. وحقيقة الأمر أن اليسك (حظر التجول) والذي يعود لفترة حكم الأتراك لليمن ما زال حاضراً في التوجه الرسمي وفي سلوك المحكومين حتى باتت مقاهي الانترنت المتنفس شبه الوحيد لكثير من الشبان لقضاء أوقات الليل. إلا أن الحملات التي تشنها السلطات على هذه المقاهي بين الحين والآخر والأوامر التي تصدرها لأصحابها بضرورة إغلاق محالهم عند الثانية عشرة ليلاً، صارت تثير قلق الشباب وكثير من الناشطين والمهتمين بالحريات. وقال شهاب (32 سنة): «لم نكن نصدق ما يقال من أن هيئة حماية الفضيلة صنيعة السلطة ووجه من وجوهها إلى أن وقعت معي حادثة جعلتني أشعر أنني في بيت دعارة وليس في مقهى انترنت». ويروي شهاب: «في احدى الليالي وبينما كنا نجلس في مقهى الانترنت فجأة، أغلق صاحب المقهى الأبواب وأطفأ الأنوار والأجهزة وأمرنا بأن نلزم الصمت. خفنا وظللنا هكذا جامدين في الظلام فيما كان هناك من يطرق الباب بشدة ثم علمنا في ما بعد أنها الشرطة وأن الأمر يتعلق بتعليمات رسمية تقضي بإغلاق مقاهي الانترنت عند منتصف الليل». وتابع: «إنه لأمر مشين أن يحدث مثل هذا في مدينة تزعم أنها تنتمي الى القرن ال21». غير أن ذلك لا يعني أن الصورة كلها قاتمة. فثمة ضفاف للفسحة لكنها محصورة بشبان ينتمون الى أسر ميسورة أو نافذة وممن يمتلكون المال، وثمة حفلات تقام في بعض الفنادق الكبيرة في صنعاء وفي ما يعرف بالمدينة السياحية. وخلال السنوات الأخيرة أخذت تنتشر مقاهٍ فاخرة تقدم الشيشة وخدمة انترنت لاسلكية. وكانت عدن شهدت نشاطاً ملحوظاً في مجال الترفيه منذ بضع سنوات وخصوصاً ساحل أبين في عدن الذي يمثل متنفساً لكثير من الشبان والشابات يقصدونه لقضاء الأماسي. وأحياناً يجلب البعض أدوات موسيقية وتعقد حلقات رقص في الهواء الطلق.