إذا كان انطلاق الطاقة البديلة هو ردّ استراتيجي في دول الغرب على المقاطعة النفطية التي رافقت حرب 1973، فكيف نَصِف ربطها بالمناخ والتلوّث، مع العِلم ان النفط لا يتسبّب إلا ب13 في المئة من غازات الاحتباس الحراري، فيما يتسبّب روث الحيوانات ب16 في المئة منه؟ حضر هذا السؤال مع بداية العرض عن الطاقة البديلة، الذي قُدّم لوفد اعلامي عربي زار الدنمارك أخيراً، في «مختبر ريزو» Risø التابع ل «جامعة الدنمارك للتكنولوجيا»، واختصاراً «دي يو تي» DUT. لا يستهدف السؤال الحديث عن اضطراب المناخ كظاهرة، ولكنه يحاول التذكير بالأبعاد الأخرى الاستراتيجية في هذا الموضوع. يزيد الأمر تعقيداً إذا تذكّرنا أن الدول الغربية ترفض بحزم نقل التكنولوجيا المتصلة بالطاقة البديلة، التي تتميّز بارتفاع تكلفتها. ويضحي الأمر فائق التعقيد مع تذكّر أن النفط يمثّل ثروة العرب الأساسية، وما زال رافعة التنمية لحاضرهم ومستقبلهم القريب. فماذا يحصل للنظام العربي إذا ضُرب النفط، الذي تأتي أهميته الفائقة من كونه أساساً في الطاقة، من جهة؛ ولم تجر عملية نقل فعلية للتكنولوجيا العميقة في الطاقة البديلة؟ أي انهيار هائل قد يتولّد من هذا الزلزال في الطاقة؟ وهل يعني ذلك أن ما شهدته بلاد العرب، خصوصاً منذ حرب 1973 و «الوفرة النفطية»، مهدّد بالتبدد؟ وماذا يحل بالنظام العربي في ظل توجّه دولي جارف للاستغناء عن نفط الشرق الأوسط في الطاقة، خصوصاً في ظل الانهيارات التي يعانيها استراتيجياً وضمنها فشله في تحقيق الحداثة (مع اكتفائه بتحديث سطحي في بناه) والتنمية، وتهافت مشروع الدولة فيه، وتضعضع قواه استراتيجياً، بحيث يستحضر صورة «الرجل المريض» الذي كانته الإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها؟ واستطراداً، فإن بقاء النفط كمادة خام في الصناعة، في حال فقدانه مكانته في الطاقة، يجعله يشبه النحاس والحديد والمنغنيز والنيكل والفوسفات وحتى الذهب، مع العِلم أن أفريقيا، خصوصاً في شقّها غير العربي، تكتظ بتلك المواد، لكنها لا تعطيها فرصة حقيقية لتنمية تخرجها من التخلّف. هل يسير النظام العربي نحو مصير نراه يومياً في أفريقيا، أو ربما لما أسوأ منه، إذا تذكرنا مجموعة من حروب «داحس والغبراء» تنهشه أو كامنة فيه؟ في هذه الحال، تصبح المطالبة بنقل التكنولوجيا أمراً أشبه بالمطالبة بالحق في الحياة. ليس على عكس تلك الصورة القاتمة أن نقول ان الخروج من عصر النفط سيجري تدريجاً، إذ يعني ذلك أن ثمة «نافذة» وقت (أقصر مما يبدو في الألفاظ)، كي يستطيع العرب صوغ مشروع حداثة فعلياً، لا ينفصل أمره عن ضرورة توصلهم لصوغ آليات فعلية وقوية لنقل التكنولوجيا الأساسية، خصوصاً في الطاقة، وإلا...تبدّدوا. واستطراداً، لماذا لا يلتقط العرب السانحة (بالنظر الى الحال في إيران وإسرائيل) للمطالبة بالحق في معرفة التكنولوجيا المتصلة بالطاقة النووية السلمية، بداية من التعامل مع خام اليورانيوم الذي يملأ أراضيهم وبواديهم؟ الأرجح أن الاردن التقط شيئاً من ذلك في مفاوضاته مع إيطاليا، ولو أنه لا تتوافر معلومات إعلامياً عن التكنولوجيا المزمع الحصول عليها في هذا الصدد. الشمس والذرّة في مختبر «ريزو»، لم يوارب البروفسور ليف بيترسن، الذي يصعب نسيان دماثته وأخلاقيته العالية وغزارته علمياً، في القول ان الدنمارك تخلّت عن الخيار النووي بقرار سياسي، خصوصاً في ضوء تلك الموجة من رفضه في ثمانينات القرن الماضي. وأوضح بيترسن أن العلماء لم يكن لهم دور في التخلي عن الخيار النووي. وبيّن أن ذلك التخلي ترافق مع تفكيك منشأة شيّدت منذ أيام نيلز بور Neil›s Bøhr عالِم الفيزياء النووية الدنماركي وأحد مؤسسي هذا العلم أصلاً. وأشار إلى أن آلات تلك المنشأة نقلت الى النروج المجاورة، حيث وُضِعَت في مفاعل في البحر بين البلدين! وأوضح أن الدنمارك بذلت جهوداً متصلة، فأفلحت في إقناع جارها بتفكيك المنشأة ونقلها بعيداً من الدنمارك. ولأن القارة الأوروبية تمتلئ بالمفاعلات، لم يكن بالإمكان تجنّب المقارنات، خصوصاً إذا علمنا أن 80 في المئة من الطاقة الكهربائية في فرنسا تأتي من الكهرباء. والمعلوم أن الطاقة النووية تعتبر من أرخص أشكال الطاقة، إذ يتكلف بناء محطة نووية وتشغيلها ووقودها قرابة 1.5 بليون دولار، كي تولّد ألف ميغاواط من الكهرباء. وأشار بيترسن إلى ما هو معروف عن فرادة اقتصاد الدنمارك الذي استطاع تحقيق نمو قوي من دون زيادة في استهلاك الطاقة، إضافة الى فرادته أيضاً في أن الدنمارك دولة نفطية (بفضل بترول بحر الشمال) لكنها تستثمر بقوة في الطاقة المتجددة، خصوصاً الرياح، وتسعى الى الاستغناء عن النفط في خلال العقدين المقبلين! ولكن، ماذا عن طاقة الذرّة؟ بدا السؤال مُلحاً عندما عرض بيترسن شريحة ضوئية فيها صور للعالِم بور، الذي أسس علم الفيزياء النووية بالمشاركة مع آخرين من وزن أينشتاين. والمعلوم أن بور نال جائزة نوبل للفيزياء عن وضعه نموذجاً عن تركيب الذرة، يحمل اسم «بور - أينشتاين - بوسان»، لا يزال يمثّل فكرة البشر الرئيسة عن الذرة ومكوّناتها وقواها. ووافق بيترسن على وجود ترابط بين الطاقتين الذرية (التي تُرفض بسبب خطورتها ونفاياتها المُشعة) وبين طاقة الشمس التي تعتبر من أنظف أشكال الطاقة، كما يظهر في كثير من المشاريع العلمية التي تسعى لتوليد الطاقة بطريقة الاندماج النووي الحاصل في الشمس. وشدّد بيترسن على ان تخزين الطاقة يمثّل أهم عقبة أمام تطوّر الطاقة البديلة. ثم رفع بين يديه قطعة لدنة خضراء، معلناً أنها الشكل الجديد من خلايا الوقود. ويكفي أن يوضع عليها أي نوع من الوقود الذي يتضمن ذرات الهيدروجين، مثل الغاز الطبيعي، كي تعطي فيوضاً من الكهرباء، وباستهلاك النزر اليسير من الطاقة.