لن يكون السؤال هذه المرة عن حتشبسوت وكيف كانت، وهل هي ملكة أم ملك؟ او كيف كانت حياة كليوباترا وكيف حاولت إنقاذ سلالتها؟ في هذا الموسم من برنامج «خارج مصر» على قناة «ديسكوفري» ستشذ العالمة في المصريات كارا كوني عن القاعدة لتطرح اسئلة أخرى تغور بشكل اعمق في مخيلاتنا وفي تاريخنا الانساني... أسئلة من قبيل لماذا تتخلص الشعوب القديمة والمعاصرة من الموتى بشتى الطرق؟ لماذا الدين والعنف مترابطان إلى هذا الحدّ؟ ولماذا يحضر الشيطان عند شعوب ويغيب عند اخرى؟ وتتضمن كل حلقة من البرنامج سؤالاً إنسانياً أساسياً، مثل «لماذا نفعل هذا الشيء المجنون أو ذاك؟» كما تقول كوني، «ثم أبدأ السؤال من مصر، لأنها مجال اختصاصي وخبرتي لأنني عالمة مصريات، قبل ان أمضي إلى مواقع أخرى في أرجاء العالم، فلا أعود الخبيرة بل أتكلم مع الأشخاص الخبراء في مجالاتهم، وأطرح عليهم شتى أنواع الأسئلة الحمقاء، وأحاول إقامة مزيد من الروابط مع العالم القديم، وأن أضع العالم القديم في إيقاع سريع يتماشى مع العصر الراهن، بدلاً من أن أجعل العالم القديم برمته كتلة من الغموض». ارادت كارا ان تسلك طريقاً آخر لاكتشاف مصر، وهي تحرص في حديثها مع «الحياة» على شرح المفهوم المختلف لهذا البرنامج، فتقول رداً على سؤال حول طبيعة الاكتشافات المنتظرة في هذا البرنامج: «الأمر لا يتعلق باكتشافات أقوم بها شخصياً، بمقدار ما يتعلق بطرح الأسئلة. كما لا يتعلق بالذهاب إلى الميدان والقول إننا اكتشفنا هذا أو ذاك، بل هو كناية عن طرح سؤال كبير ثم الذهاب إلى مواقع محددة في محاولة لإيجاد الأجوبة. علماً ان البرنامج لا يتعلق بالحصول على أجوبة مباشرة على اسئلة من قبيل من قتل الملك توت؟ بل أكثر من هذا اسأل عن اتجاهنا للعيش في المدن، ولماذا نقطن قريبين من بعضنا إلى هذا الحدّ، في حين أنه وعلى امتداد ملايين السنين، لم يعش الناس في المدن؟ لنفكر أكثر في هذه المسألة. لنذهب وننظر في إحدى مدن الأزتيك البائدة. لنذهب وننظر إلى مدينة في كمبوديا تدعى أنكور، ولماذا سقطت هذه المدينة وبماذا أخطأ أهلها. هذه مجموعة من الأفكار النابعة من عمل علماء آثار مختلفين. بالتالي لا أعتبر أنني أقوم بأية اكتشافات عظمى». ولكن، لماذا مصر بالذات؟ ولماذا كل هذا الشغف بها؟ تجيب كوني: «اكتشفت شغفي بمصر القديمة في مرحلة مبكرة من شبابي. أتذكر في طفولتي حين عادت أمي من المتحف البريطاني بعد رحلة برفقة أبي، أحضرت معها خمسة كتب. أحدها عن المومياء، والثاني عن الفايكينغ، والثالث عن الرومان، والرابع عن أوروبا في العصور الوسطى، وقد أحببتها كلها، لكن لسبب ما شعرت بتجاوب أكبر مع كتاب مصر». وتضيف: «يسألني الناس لماذا مصر؟ لكنني لا أستطيع تفسير ذلك. إنه نوع من النداء العاطفي، وأنا واحدة من أولئك الحمقى الذين يقررون أن يفعلوا ما يحبونه حقاً. وهذا غالباً ما يتضح أنه خطأ بصورة رهيبة. على أي حال قررت القيام بما أحبه، وقد مضيت قدماً به وتمكنت من تأمين عيشي منه، ولهذا أعتبر نفسي محظوظة جداً». وتشير كوني الى ان العصور القديمة تثير اهتمام الناس لأسباب عدة، وتقول: «أرى أن غالبية البشر المعاصرين يشعرون بأنهم منفصلون عن أسلافهم. وأظن أننا لا نكن احتراماً كبيراً لكبارنا في هذا المجتمع المعولم السريع والمعاصر. أظن أننا نسينا ذلك، وتركناه خلفنا، والبشر القدماء يمكنهم تعليمنا أشياء كثيرة، فهم ما كانوا يحتاجون إلى تفسيرات علمية عن أي شيء، بل كانوا يجدون الأجوبة من خلال القصص والحاجات والضرورة. أظن أننا نفقد شيئاً من هذا التأمل في الحضارات القديمة. أما بالنسبة إلى مصر القديمة فإنها تدفع الناس إلى فقدان صوابهم لشدة ما يحبونها. يريدون أن يعرفوا كل شيء عن الأهرامات وعن الملكات وكيف كان يعمل المصريون القدماء، واللغز الموجود في مصر القديمة كبير بحيث إنني أسأل نفسي يومياً ماذا في مصر القديمة؟ وما الذي يجذب الناس إليها بالذات؟ وأظن أن الناس يعرفون الكثير عن مصر مقارنة بغيرها من المناطق أو البلدان. وعادة تكون لديهم أسئلة محددة يريدون معرفتها: ماذا عن موسى في الكتاب المقدّس؟ ماذا عن حتشبسوت وكيف كانت، وهل هي ملكة أم ملك؟ وكيف كانت حياة كليوباترا وكيف حاولت إنقاذ سلالتها؟ هذه أسئلة يبدي الناس حيالها اهتماماً كبيراً. لكنني قلبت في هذا البرنامج الأمور بعض الشيء وقدمت للناس ما لا يتوقعونه بدلاً من التركيز على كليوباترا وحتشبسوت، إذ حاولت ربط المصريين القدماء بنا وبالجميع: بالكمبوديين القدماء والفيتناميين المعاصرين، بالبشر في كل مكان، في دبي التي يبنون فيها أعلى برج في العالم، وأظن أن هذه الأسئلة ستثير اهتمام المشاهدين». وتختتم كوني كلامها قائلة: «في هذا البرنامج أردنا أن نتصور أموراً حول مصر القديمة - بالتالي العالم القديم - لا يعتبرها الناس مهمة، كونها ماثلة في الحياة اليومية بحيث لا يفكر المرء بها».