عثرت عالمة الآثار البريطانية ستيفاني دالي على الجنائن المعلقة في نينوى شمال العراق وليس في بابل، كما شاع وجودها التاريخي كإحدى عجائب الدنيا السبع هناك، على رغم عدم العثور على أدلة وآثار تثبت ذلك، ما وضع أمر وجودها كله في غموض دفع علماء آثار كثراً للتشكيك في ما هو متوفر من معطيات تاريخية. ومن بين هؤلاء، كما يُظهر البرنامج التلفزيوني البريطاني «العثور على جنائن بابل المعلقة»، ستيفاني دالي أستاذة الدراسات الشرقية في جامعة أوكسفورد التي توصلت عبر رحلة استكشافية مثيرة وخطيرة في الوقت ذاته إلى العراق، تابع تفاصيلها البرنامج وسجلها بأسلوب مشوق فيه من العلمية والموضوعية مع ما يتطابق وطبيعة البحث الذي يمثل تغييراً مهماً في تاريخ البشرية على حد وصفه. إلى إربيل توجهت العالمة مع فريق العمل التلفزيوني الذي قرر الاكتفاء بالمراقبة والتوثيق تاركاً المجال لها لشرح أفكارها وما الذي تريد إثباته في رحلة تحيطها الأخطار لأن المنطقة التي تعتقد بوجود «الجنائن المعلقة» فيها؛ نينوى، تشهد الآن صراعاً مسلحاً عنيفاً، يحد من حرية الحركة وتعترف هي بذلك والضحكة لا تفارقها: «لم يزر أحد من علماء الآثار والتنقيب المنطقة منذ عام 2003، لكني جهزت فريق حماية جيداً مع مستشارين جيدين، والخطر موجود في كل الأحوال حتى عندما يقود المرء دراجة هوائية في شوارع أكسفورد». بهدوء وبأسلوب علمي لا ادعاء فيه يحيط ما تعارف عليه طويلاً من أن «الجنائن المعلقة» مكانها في بابل بهالة من الشك لعدم وجود ما يثبت ذلك بخاصة أن هذه الأعجوبة وعلى خلاف بقية أعاجيب الدنيا الست لم يترك التاريخ دليلاً على وجودها، ولم تثبت أي دراسة أو بحث علمي على أنها بنيت في عهد الملك نبوخذ نصر. وبسبب معرفتها باللغة المسمارية وتاريخ المنطقة تعتقد العالمة دالي أنها موجودة بالفعل ولكن في منطقة بعيدة من جنوببغداد بل هي في شمالها وتعود إلى الملك الأشوري سنحاريب، وإثبات ذلك هو الهدف الأول من رحلتها. الخيط الذي قادها إلى ذلك الاستنتاج عثورها في المتحف البريطاني على مدونة حجرية مسمارية تضمنت إشارات واضحة إلى بناء الملك سنحاريب الذي عاش قبل مئة عام من ولادة نبوخذ نصر، لقصر عظيم في سهل نينوى، تحيطه من كل جانب «جنائن» رائعة فيها من الأشجار والنباتات النادرة التي أُحضرت من مناطق بعيدة سيطر عليها الملك في غزواته. يوثق البرنامج، كما طلبت العالمة، بعض ما هو موجود في المتحف البريطاني من رسومات على ألواح طينية تعود إلى عهد سنحاريب وتظهر فيها بوضوح حدائق غناء تحيط قصره العالي. من المشكلات التي واجهت نظريتها، إثبات الطريقة التي اتبعها سنحاريب لإيصال المياه من جبل زاغاروس إلى قصره في نينوى وكيف كان يُصعدها إلى حدائقه المعلقة؟ بمعونة خبراء يدرسون تاريخ المنطقة وبفضل خرائط دقيقة أعدها زميلها جايسون أور لقنوات الري التي بنيت في عهد سنحاريب أثبتت العالمة أنه وكملك عظيم تمكن من إيصال المياه عبر قنوات طولها 400 كيلومتر إلى مدينة نمرود، عاصمة مملكته، وأن مهندسيه استخدموا الحلزون الآلي لرفع المياه من أسفل السهل إلى أعلى القصر مستلهمين فكرة صناعته من ساق النخلة. وسيلة كتبت باسم العالم اليوناني أرخميدس لكنها طبقت قبله بآلاف السنين كما جاء في كتاب المؤرخ اليوناني ديودروس سيكولوس! وبعد توصلها إلى حقائق تعود إلى وجود المياه ورفعها ووجود مدينة نمرود في سهل نينوى، عليها الآن إثبات تطابق ما هو موجود في الرسومات القديمة مع ما هو موجود على الأرض. ولهذه المهمة وخوفاً على حياتها كلفت اثنين من حراسها بالذهاب الى قصر نمرود وتصويره إلى جانب المنطقة المحيطة به والتي تعتقد أنها كانت الحدائق العجيبة. المدهش أن تسجيلات الحارسين جاءت مطابقة تماماً لما هو موجود من رسومات قديمة في المتحف البريطاني، أما الحدائق نفسها فقد طُمرت تحت الأرض، وزرع الناس فوقها، ولاستخراجها يحتاج الأمر استقراراً في المنطقة كما يتطلب عملاً جاداً وحريصاً للحفاظ على القصر الذي دُمر معظمه ونهبت آثاره. رحلة بحث في أعماق التاريخ سجلتها القناة الرابعة البريطانية بأسلوب آخاذ، أما إعادة «الجنائن المعلقة» مجدداً، فتلك مهمة العراقيين قبل غيرهم.