غاب الجمهور عن معظم عروض مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الحادية والعشرين وما خلا ضيوف المهرجان وبعض الإعلاميين فإن صالات عدة صغيرة وكبيرة كانت مقاعدها خالية غالباً، وحرص الضيوف على حضور بعض العروض دون سواها على رغم جدولتها لتعرض مرتين. لكن الحفلة الافتتاحية، خصوصاً مع حضور الرسميين وقلة من نجوم المسرح المصري احتفت بتجاوز المهرجان عقدين من الزمان وهو ما جسدته لوحة استعراضية حكت كيف تطور المهرجان مذ كان في مرحلة «الطفولة» وصولاً الى سن النضج. وهذا ما ورد في كلمة وزير الثقافة المصري فاروق حسني الذي قال ايضاً ان المهرجان «خلخل دائرة التكرار وحقق انفتاحاً وتعدداً وتواصلاً مع كل تيارات الإبداع المسرحي على مستوي العالم». واحتاج المهرجان في هذه الدورة إلى إدخال فكرة «كلمة المهرجان» ضمن تقاليده ليتناوب عليها كل عام أحد أعلام الأسرة المسرحية في العالم، وقد اختير الأميركي ريتشارد شيكنر ليتلوها ليلة الافتتاح و بدأها بمساءلة المهرجان التجريبي عن دوره وجدواه في زمن الأزمات والصراعات العنيفة والحاجات الانسانية التي لا تجد من يلبيها في دارفور وغزة والاراضي المحتلة والعراق وباكستان وسواها. واستعرض المسار التطوري للمسرح الطليعي خلال المئة عام الماضية، مبيناً انه ظل محكوماً بالتعدد والتنوع. وقال: «إنني أؤمن أن الفنانين - وبخاصة التجريبيون منهم - يتحملون مسؤوليات فريدة، إن الأصل الاشتقاقي لكلمة «تجريبي» يعني الذهاب خارج أو بعد الحدود. ومع ان الحدود قد تكون ضرورية غالباً فإن ثمة امكنة وأزمنة يتعين فيها علينا ان نعبر الحدود أو دفعها مسافة أبعد، لمساءلة العقائد القائمة وتحديها وخلق مجتمعات من الفنانين والجماهير، قد تكون موقتة لكنها قوية، ولإظهار كيف يمكن الناس العبور مراراً وتكراراً بين الفعلي والمتخيل وإلى ما لا نهاية». التجريب في المسرح السياسي كان سؤال الندوة الرئيسة للمهرجان بمشاركة 21 باحثاً من مصر ودول عربية وغربية ونوقش عبر ثلاثة محاور هي «مسرح الصحف الحية: الأسباب والتقنيات»، «المسرح الملحمي: الجذور والتكوين» وأخيراً «المسرح الوثائقي الأصول والتجاوزات». وبدا كأن المتوافر من معلومات عن «مسرح الصحف الحية» ليس في الكفاية إذ ردد المشاركون المعلومات التاريخية ذاتها غالباً، فيما اتخذ بعضهم الأمر كمناسبة للتعريف بمسارح بلدانهم، مثل الباحث الصيني زيونغ يوانوي الذي بدأ حديثه قائلاً إن بلاده لم تعرف يوماً ما يسمى ب «المسرح الاعلامي»، وإن كانت بعض التجارب استفادت من موضوعات سياسية تطرقت إليها أجهزة الاعلام. ثم عرض سيرة التيارات التي تكرست في السنوات الاخيرة في الصين. وهذا ما فعله أيضاً البرازيلي ألكسندر هيلفر. أما اللبناني بول شاوول والمصري أحمد سخسوخ فقدما ورقتين مهمتين حول بدايات مسرح الصحف في ألمانيا وروسيا وسط مجموعات شبابية محتجة على الأوضاع السياسية قدمت عروضها على أسطح المنازل وظهور السيارات، لكنها لم تستمر ولم تترك تأثيرات كبيرة. نطقت العروض على تباين أساليبها الإخراجية، بالأجساد في معظمها وغاب عن بعضها الحوار الملفوظ تماماً ليحضر الأداء الجسدي في أشكال عدة، ووضعيات شتى، صراعية عنيفة، رومنطيقية ناعمة، بائسة وحزينة ترافقها الموسيقى دائماً وأضواء بدرجات مختلفة وتلاوين. ويبدو ان للأمر صلة بكون اعضاء اللجنة المحكمة من جنسيات متعددة، فحتى العروض القليلة التي اعتمدت على المنطوق اللفظي لجأت إلى الترجمة باستخدام شاشة مكبرة علي جانب الخشبة. وقد جاء في هذا الإطار عرض الافتتاح «دونكيشوت» من إخراج البولندي كرزيستزتوف بروس، و «الإكليل» من إخراج السعودي أسامة خالد، و «الحلم» لفرقة مسرح 7 الرومانية، «الألوان» للأرمني توسلاك ميلكي، «وامعتصماه « للمخرج اللبناني سمير عواد، «بلا عنوان» للمخرجة الأردنية مجد القصص. وفيما حضرت أسماء معروفة مثل شكسبير وسرفانتيس وغارسيا لوركا ويوجين يونسكو وسعدالله ونّوس وهيرمان هسة على صعد النصوص كانت الفرق التي جسدت أعمالهم، بعد إعدادها أو تطعيمها، في معظمها لشبان بعضهم يشارك للمرة الاولى في المهرجان. وعلى رغم غياب المشاركة الفلسطينية في انشطة المهرجان المختلفة إلا ان القضية الفلسطينية كانت حاضرة في عروض عربية مثل اللبناني «وامعتصماه» من تأليف وإخراج سمير عواد، وفي العرض الأردني «بلا عنوان» من تأليف مفلح العدوان وإخراج مجد القصص. واختار العرض العراقي «صدى» للمؤلف مجيد حميد وإخراج حاتم عودة ان يتناول الوضع الطائفي المأزوم في العراق بحكاية أم تركها أولادها الثمانية، ومع عودة أحدهم يكشف لنا العمل تصوراتهم الخلافية حول الأم/ الوطن. ولا يبعد العمل العراقي الثاني «الظلال» كثيراً عن الأول، وهو مأخوذ عن مسرحية «الموت والعذراء» لارييل دورفمان ومن اخراج هيثم عبدالرازق، فالخلاف يتفاقم ولا يؤدي إلي نتيجة بين شخصياته الثلاثة. العملان السودانيان «القط الابيض المتغطرس» للمخرج أحمد رضا و «خيوط الافق» للمخرج حاتم محمد خيبا توقع البعض تجاهلهما ما يضج به الفضاء السياسي في السودان، إذ تناول الاول قصة رجل يدخل مدينة ويجدها مليئة بالجراد وتجبره على البقاء فيها للأبد بغموضها، اما العمل الثاني فيستند الى نصوص الشاعر الفلسطيني محمود درويش خصوصاً «جدارية» ليكشف أشكالاً مختلفة في مجابهة الموت. ما يلفت أيضاً ان هذه الدورة شهدت تقديم أعمال عدة لشكسبير مع معالجتها ومعظمها لمصريين وهي «هاملت» التي قدمت بعنوان «أنا هاملت» للمخرج هاني عفيفي و «يوليوس قيصر» للمخرج سامح بسيوني و «ماكبث» للمخرج احمد مختار والعمل ذاته قدمته الفرقة الكورية. أما «حلم ليلة صيف» فكان بعنوان «حلم» وقدمته الفرقة الارمنية. أما فرقة المملكة المتحدة فقدمت «نبوءة المستقبل» عن ألف ليلة وليلة! الإسباني ميغل دي سرفانتيس قُدّمت له في المهرجان رائعته «دونكيشوت» مرتين وفي معالجتين مختلفتين. في عرض الافتتاح قدمته بولندا ثم فرقة كون السورية بعنوان «الدونكيشوت» وفي العملين قدم دونكيشوت في إطار فرقة مسرحية. في عرض «قيام وسقوط مدينة ماهاغوني» الايطالي حضر الالماني برتولد برخت بمقتطفات من أعماله، كما حصل في «سهرة مع سعدالله ونّوس» حيث شكلت فرقة الصحوة من سلطنة عمان مسرحيتها عبر مقتطفات من اعمال السوري سعدالله ونّوس محاورة إياه حول علاقته بالتراث. أما العروض التي أدرجت في المسابقة فهي 28 عملاً، تسعة منها عربية، وبلغت الاعمال المشاركة على الهامش وفي المسابقة من أوروبا وآسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية 23 عملاً، فيما بلغت الاعمال العربية في مجملها 19 عملاً. ويختتم المهرجان مساء غد الثلثاء في حفلة توزيع الجوائز للأعمال الفائزة، ويتم تكريم عشر شخصيات مسرحية: محمد بن قطاف (الجزائر)، عزيز خيون (العراق)، فردوس عبدالحميد (مصر)، سيرجومامبرتي (البرازيل)، خيرونيمو موثو (إسبانيا)، ريتشارد شيكنر (أميركا)، ستيفانيت فوندفيل (فرنسا)، كريستوف نايبور (بولندا)، مارتن بولن (كندا)، جيوفاني مارينلي (إيطاليا).