طالب مثقفون بتوظيف واسع لقضايا التطرف والآراء الفكرية، في الدراما والمسرح، اللذين يحظيان بنسبة مشاهدة كبيرة، ما يجعل تفاعل المجتمع بأطيافه الثقافية والاجتماعية وسواهما، مع هذه القضايا ملموسا الأمر الذي يسهم في معالجة الكثير من مشكلات التشدد، التي تضطلع مؤسسات بعينها بمعالجتها. وقال هؤلاء ل «الحياة» إن انعكاس عدد من قضايا التطرف والإرهاب، التي عاناها المجتمع السعودي، في أعمال درامية ومسرحية، سيكون علامة فارقة في التأثير بالناس، إضافة إلى منح الدراما دوراً واسعاً تسهم من خلاله في نشر الأفكار والرؤى المختلفة، التي تبقى حبيسة الكتب أو المقالات. واعتبر أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور محمد البشر، الإعلام رسالة وظيفته التعليم والتوجيه والرقي بوعي الجمهور، إلى مستوى يخدم فيه قيم وثقافة المجتمع السائدة. وقال: «إن خدمة هذه الوظيفة لا بد أن تكون أيضاً منطلقة من مسؤولية القائم بالاتصال وإدراكه للأمانة المناطة على عاتقه، سواء كان مالك الوسيلة الإعلامية أو معد النص أو مقدم البرنامج، أو حتى فني الكاميرا والمونتاج والإخراج، هذا إذا كنا نتحدث عن التلفزيون مثلاً». لكنه توقف عند حلقة تطوير المناهج، التي بثت ضمن حلقات ملسل «طاش ما طاش» في شهر رمضان المنصرم، وشن هجوماً على القائمين على ذلك المسلسل، وأوضح «إن الذي شاهده الجمهور هو فكرة فيها قليل من الحق وكثير من الباطل، ما نسف فكرتها من الأصل وألّب عليها الكثير من آراء النخب الناقدة، فضلاً عن عامة الجمهور»، مضيفاً: «لقد كانت المعالجة باهتة مؤدلجة، بطريقة تصادم المجتمع وتصور مؤسساتنا التعليمية على غير واقعها الحقيقي». واعتبر ذلك «نوعاً من تسجيل موقف شخصي أو تصفية حسابات، ما كانت لتتحقق الا بمثل هذه الأعمال الدرامية الهزيلة». وطالب بأن يصطحب الفن «المسؤولية الاجتماعية في تسويق الأفكار التي تحملها رسالته، وأن يحترم القواسم الثقافية المشتركة بين أفراد المجتمع، وألا تطغى الوظيفة الترفيهية على الوظيفة الأهم، وهي التعليم والتوجيه الصادق للمجتمع». ويقول مدير جمعية الثقافة والفنون في الاحساء سامي الجمعان: «لاشك أن فضاء النص الدرامي يستوعب الكثير من النصوص، أو ما يسمى نقدياً بالتناص، وهو استثمار نصوص الآخرين في إطار نصك بالاقتباس أو التضمين». واعتبره فناً يجب التعامل معه بحذر عند توظيفه في نص إبداعي، «والنص الدرامي بصورة خاصة نص مفتوح يقبل استحضار شتى الرؤى الفكرية والنقدية والإبداعية»، مشيراً إلى أنه تقصّى في رسالة الماجستير، التي أنجزها، توظيف «ألف ليلة وليلة» في النص المسرحي العربي، «وخلصت إلى اتكاء الكتاب المسرحيين وبدرجة كبيرة جداً على حكايات الليالي العربية في النصوص، وبمساحة واسعة لا تكاد تحصى». ويرى أن توظيف الآراء الفكرية في النص المسرحي، أضحى تقليداً فنياً متعارفاً عليه، «فقلما تجد نصاً مسرحياً لم يفد كاتبه من تلك الآراء»، مضيفاً: «وعلى المستوى الشخصي فقد فتحت لي الآراء الفكرية آفاقاً واسعة، فوظفت بعض مقولات ميخائيل نعيمة في مسرحية «القبو»، حتى شكلت مثل هذه الآراء عاموداً فقرياً في هذا النص، وفي تجربتي الكتابية الأخيرة كموت المؤلف لجأت إلى الكثير من الآراء الفكرية، التي تناولت تجربة سعدالله ونوس وعملت على جعلها الفكرة الأساسية لهذه المسرحية، وبحيلة فنية حصدت جوائز عدة». واعتبر الجمعان توظيف الآراء الفكرية في سياق النص، إحدى الحيل الفنية الرائعة والخطيرة في الوقت نفسه»،كونها تتطلب وعياً من الكاتب بكيفية التوظيف وأبعاده ومراميه، فلا تكون تلك الآراء عبئاً على النص وعالة عليه، بل تشكل بالنسبة إليه داعماً حقيقياً لتقديم رؤى فكرية متنوعة يتم المزج بينها بشكل إبداعي، قائم على الوسطية لا التطرف»، مشدداً على مسألة الميل الفكري، «فميلك إلى فكر احد المفكرين حق مشروع بالنسبة إليك، إلا أن رفضك لفكر مفكر آخر ليس لك حق فيه، على اعتبار مبدأ احترام الرأي والرأي الآخر». يقول الكاتب سعود البلوي: «إذا ما عدنا إلى تاريخ الفن عموماً، كالفن التشكيلي والأدب والمسرح والسينما والتلفزيون وغيرها، سنجد أن توظيف الفكر فيها أمر شائع منذ الأزل، وذلك لأجل إيصال رسالة سياسية أو ثقافية أو اجتماعية، وبالتالي فإن توظيف الدراما لإيصال رسالة أو رأي أو اتجاه فكري لا يعتبر شأناً جديداً، غير أن رد الفعل سواء الموافقة أم المضادة تكون أكثر عمقاً وأسهل وصولاً للمتلقي». وأرجع ذلك إلى سببين «الأول، هو أن المعالجة الدرامية لأي رأي أو فكرة، غالباً ما تتم بشكل واضح يعيه المتلقي، ويستوعبه بشكل سريع ومباشر. ثانياً، أن السينما والتلفزيون أسهما في انتشار ثقافة الصورة بشكل كبير، وتعتبر لغة الصورة المتحركة، في كثير من الأحيان، أسهل وأبلغ من أية لغة أخرى، وإنْ لم يصاحبها الحوار أو الكلام، إذ إن هذه اللغة تستطيع، بمدة وجيزة جداً، أن توصل الفكرة أو الرسالة». واعتبر البلوي أن الدراما تسهم في الوصول إلى المجتمع بشكل أفضل، بسبب الجمع بين المتعة وإيصال الفكرة، داعياً في الوقت نفسه إلى استثمار الدراما لإعادة تشكيل الوعي الاجتماعي. ثم تطرق إلى مسلسل «طاش ما طاش» كنموذج «فهو عودنا خلال 16 سنة، على تقديم النقد الثقافي والاجتماعي بقالب درامي جميل من خلال التوغل في عمقنا المحلي السعودي اجتماعياً وثقافياً». واعتبر أن حلقة «التطوير» التي أثارت زوبعة في الفترة الأخيرة، فكرتها بسيطة ومطروحة من قبل، «إلا أن المعالجة الدرامية، بغض النظر عن الملاحظات الفنية حولها، أوصلت للمشاهد كيفية اختطاف التعليم، ليس كمؤسسة حكومية بل كمؤسسة اجتماعية يحاول بعض المتشددين المتنفذين في المجتمع التأثير فيها نتيجة خطابهم الديماغوجي». وأضاف: «الدراما أوصلت هذه الفكرة إلى المجتمع بشكل مباشر وواضح، من خلال الصورة التلفزيونية، إذ يعمل هؤلاء ك (لوبي) مضاد للإصلاح والتقدم، وهذا ما أغضب الكثير من المتشددين، الذين يحاولون إثبات عدم صحة الفكرة لمّا أحسوا برفض المجتمع لوصاية الفكر الأحادي، من خلال تقبّل الفكرة ذاتها درامياً». أما الكاتب شتيوي الغيثي فقد اعتبر أن الأعمال الأدبية كلها، تتكئ على أرضية فكرية وأيديولوجيات متباينة، «لأن الأدب بشكل من أشكاله تعبير عن الواقع المعاش فإنه من الطبيعي أن تنغرس الأفكار المختلفة في طياته مهما كان»، مضيفاً: «وعلى هذا فإن الدراما لا تبتعد كثيراً عن هذا الإشكال، إلا كونها مادة تصويرية في مقابل الأعمال الأدبية الكتابية». وعد أنه طبيعي توظيف الدراما لطرح الإشكالات الفكرية مع الحفاظ بالأساس الفني». فالعمل الفني يطرح الواقع بكل منعرجاته ولا يطرح الحلول، حتى وإن أغضبت البعض من الناس المخالفين أو الذين يظنون أنهم هم المعنيون بهذا الطرح»، مشدداً على أن العمل الدرامي «عمل كاشف أكثر منه عمل ناقد، فهو يبرز الواقع حتى ولو ظهر بشكل نقدي». واعتبر الغيثي أن هناك فرقاً كبيراً بين طرح الآراء الفكرية، من خلال الدراما أو طرحها في كتاب؛ كون العمل الدرامي أوسع انتشاراً من الكتب، «فالصورة تخاطب الجميع والكتاب يخاطب النخبة، ولكون الأفكار أو الآراء أخذت مجالها في العمل الدرامي، يعني أنها أخذت مجالها للعامة وللجمهور، أي أنها استطاعت كسر إطارها الضيق والتمرد عليه لتنتشر بين الكل بلا استثناء». ونوه أن ذلك هو ما يعطي للدراما أهمية «بوصفها حاملة الفكرة والمروجة لها في الوقت نفسه، وهي أسرع وسيلة حالياً من أية وسيلة أخرى تنافسها في سعة الانتشار كالإنترنت مثلاً».