أبدأ بحقائق لم ينفها أحد: في آذار (مارس) 1977 اجتمع المخرج العالمي رومان بولانسكي مع بنت صغيرة تطمح الى أن تكون عارضة أزياء، بحجة انه يريد تصويرها لمجلة فوغ (النسخة الفرنسية)، وهو أعطاها مخدراً وقدم لها شمبانيا ثم اغتصبها في شكل بشع. بولانسكي اعترف بالاغتصاب وعقد صفقة مع الادعاء، وهذا أسلوب أميركي متبع، وكان يُتَوقع أن يحكم القاضي عليه بالسجن 42 يوماً وهي مدة توقيفه، فلا يقضي أي عقوبة داخل السجن عن جريمته. وكان بولانسكي خرج بكفالة وسافر الى أوروبا لإكمال فيلم، ورأى القاضي صورة للمخرج مع الممثلة ناستازيا كينسكي، وكان عمرها 15 سنة، وقرر رفض الصفقة مع الادعاء، ففر بولانسكي، ولم يعد الى أميركا، وبقي فاراً من العدالة حتى اعتقل في سويسرا في 26 من الشهر الماضي. بولانسكي كان في الرابعة والأربعين عندما اغتصب بنتاً في الثالثة عشرة (وأكمل مع كينسكي ولكن بالتراضي، وربما غيرها) وشرحت ضحيته في المحكمة ماذا فعل المخرج بها وهي تقول «لا» له. والتفاصيل يستحيل نشرها هنا لفظاعتها، ولم يُنف أي تفصيل في شهادتها. في أوروبا قال بولانسكي في مقابلة صحافية حرفياً ان «كل رجل يريد... بنات صغيرات» والنقاط هي بدل كلمة جنسية فاحشة استعملها بولانسكي كأنه يقول «كوكا كولا». وهو برّر فراره بأن المحاكمة الشائكة تركته مضطرباً وأعادت اليه ذكريات مكتومة عن ألمانيا النازية فلم يستطع تحملها. البنت رفعت قضية شخصية بعد ذلك على بولانسكي ودفع لها تعويضاً مالياً، وأسقطت حقها الشخصي عليه. كل ما سبق معلومات مسجلة وصحيحة مئة في المئة ولا يعترض عليها أحد، فأكمل: رومان بولانسكي وحش بشري، فالمغتصب العادي يرتكب جريمته لأنه غالباً ما لا يجد امرأة تقبل به، أما بولانسكي فهو ثري ومشهور وبعض أجمل نساء العالم يطلبن علاقة معه، إلا أنه يختار أن يغتصب طفلة، ثم أن يبرر ذلك في شكل يضاعف الجريمة، فهو جعل كل رجل مغتصباً محتملاً، وربط كل ذلك بجرائم النازية مع أنه ولد سنة سيطر النازيون على الحكم في ألمانيا وكان عمره 12 سنة عندما سقط. ما سبق هو جريمة بولانسكي التي أرى أنها أطلقت جريمة أخرى ارتكبها كل من دافع عنه وطالب بإطلاقه بحجة أن القضية قديمة «ومش حرزانة»، مع انني أرى أن أفظع جريمة ممكنة هي اغتصاب طفل أو طفلة، كما فعل بولانسكي، وقتل الضحية كما لم يفعل. وشخصياً أعارض الإعدام في كل جريمة، بما فيها الخيانة، وأستثني اغتصاب الأطفال وقتلهم، وبالتالي أجد بولانسكي يستحق السجن المؤبد، طالما انه لم يقتل، لا مجرد سنتين أو ثلاث كما ينص القانون. هوليوود بؤرة جنس وهكذا قام منها وودي ألن وهارفي واينستين وديفيد لينش ومارتن سكورسيزي ومعهم ووبي غولدبرغ وبدرو المودوفار وسلمان رشدي وعشرات آخرون مطالبين بإطلاق بولانسكي. ومثلاً، واينستين بدأ جمع «ايميلات» للضغط على الخارجية الأميركية لتضغط على سويسرا للإفراج عن صديقه الذي وصفه بأنه «إنساني»، وأصرُ على أنه «وحش بشري». أسوأ مما سبق، وهو على الأقل تصرف متوقع من هوليوود، كان الدفاع الرسمي الفرنسي عن المواطن اليهودي الفرنسي المتهم، وزير الخارجية برنار كوشنير قال إن اعتقال بولانسكي «شرير»، ووزير الثقافة فريدريك ميتران وصف اعتقاله بأنه «مريع قطعاً» وأن جريمته «قصة قديمة بلا معنى». وسقط ميتران فوراً في شباك كلامه، فقد قام من ذكّره بأنه في مذكراته الصادرة سنة 2005 اعترف بأنه مارس الجنس مع أولاد في تايلاندا مقابل المال، أي أنه منحرف جنسياً مثل بولانسكي، والغريب أن الوزير حاول بعد ذلك أن ينفي ما قاله بنفسه عن نفسه، ولكن لم يصدقه أحد واشتدت المطالبة باستقالته. وعكس الموقف الفرنسي النابي كله الفيلسوف المزعوم برنار-هنري ليفي الذي دافع عن بولانسكي في مقال وجدته في حقارة حملاته السابقة على وزير الثقافة المصري فاروق حسني خلال حملة انتخاب مدير عام لليونسكو. هو قال إن جريمة ارتكبت قبل 32 سنة، وهي ليست جريمة مميتة أو جريمة ضد الإنسانية. وأقول إنها جريمة بشعة وفي بشاعة من يرتكبها كل من يدافع عنه. ويقول إن الضحية سحبت شكواها، وأقول إنها تلقت تعويضاً، وان هناك الحق العام ضد الجاني. ويقول إنه تقرر قبل وقت طويل أن بولانسكي ليس مجرماً جنسياً ضد الأطفال، وأقول أن ليفي يزعم هذا، فالمخرج اغتصب طفلة واعترف. أسأل ليفي وكل من دافع عن بولانسكي هل كان يدافع عنه لو ان الطفلة التي اغتصبت ابنته؟ أعتقد بأنني سأسمع منهم جواباً كاذباً آخر.